آخر الأخبار

من لبنان إلى الخليج.. الجيش يزلزل امبراطورية المخدرات

شارك
سطّر الجيش اللبناني وسائر القوى الأمنية إنجازات بارزة في معركتهم ضدّ تجار المخدرات، عبر مطاردة الشبكات التي تمدّدت لسنوات في أطراف البقاع، على الرغم من التضحيات الكبيرة التي يقدمها وآخرها امس بسقوط شهيدين وثلاثة جرحى في منطقة الشراونة.
وشهدت عمليات المداهمة وتيرة متسارعة بهدف تفكيك المنظومة التي راكمها هؤلاء التجار، بعدما تحوّلت إلى اقتصاد موازٍ، هدّد الأمن والمجتمع وعلاقات لبنان الخارجيّة، لاسيّما الخليجيّة.
عمليات غير مسبوقة
في الآونة الأخيرة، أعلن الجيش عن عشرات المداهمات، لعلّ أبرزها دهم منشأة في بلدة بوداي – بعلبك في شهر أيلول الماضي، حيث ضبط بنتيجتها إحدى أكبر كميات المخدرات داخل الأراضي اللبنانية ، قُدرت بنحو ٦٤ مليون حبة كبتاغون، و٧٩ برميلًا من المواد الكيميائيّة المعدَّة لتصنيع المخدرات. وفي عملية مطاردة نفّذها الجيش في الشروانة- بعلبك، قُتل ثلاثة من أبرز تجار المخدرات وأخطرهم، أحدهم معروف بـ"أبو سلة".
إحباط عمليات التهريب
أثمر نجاحُ الجيش في ملاحقة كبار تجّار المخدرات، تراجعًا لافتًا في تهريب المخدرات إلى الدول العربية ، ولا سيّما المملكة العربية السعودية التي عانت لسنوات من تسلّل هذه الآفة إلى أراضيها، عبر شحناتٍ، كان أشهرها شحنةُ الرمّان عام 2021، والتي دفعت الرياض إلى وقف الاستيراد من لبنان. وقد حظيت الجهود الجبّارة التي بذلها الجيش بتقدير وإعجاب واسعين، عبّرت عنهما السعودية بوضوح، وأولى المؤشّرات على ذلك، بدءُ انفتاحٍ اقتصادي سعودي على لبنان.
خطة الجيش: تعقّب ومداهمات بوليسية
نشطت مافيا المخدرات داخل الأراضي اللبنانية بعد سقوط نظام الأسد ، إذ نُقلت بعض معامل التصنيع إلى الداخل اللبناني. وفي مواجهة هذه الشبكات المنظّمة والمحصّنة، وضع الجيش خطّة محكمة بأبعاد عدّة، وفق ما يشرح خبير الشؤون العسكرية العميد المتقاعد أكرم سريوي "توزعت الخطّة بين العمل الاستخباراتي، وجمع المعلومات، وعمليات التعقّب والمداهمة، خصوصًا أنّ هذه الشبكات تضم خبراء تصنيع ومسارات تهريب معقدة عبر البر والبحر".
يشرح سريوي في حديثه لـ" لبنان 24 " طبيعة العمل الاستخباراتي لكشف وملاحقة مصنّعي وتجار المخدرات، وكيفية الاستفادة من المعلومات التي يكشفها التحقيق مع الموقوفين، كونها تُعدّ مدخلًا أساسيًّا لتحديد الشبكات المرتبطة وخطوط التهريب. ولتنفيذ المداهمات، احتاج الجيش إلى تحضير وتنسيق عاليين، وإلى عناصر متمرّسة تمتلك خبرة في القتال داخل المدن.
وأضاف سريوي أنّ خطّة الجيش ارتكزت كذلك على إغلاق المعابر الحدوديّة غير الشرعيّة، بالتوازي مع تشديد المراقبة وعمليات التفتيش على المعابر الشرعيّة البريّة والبحريّة والجويّة. كما استقدم لبنان أجهزة حديثة للكشف الدقيق عن المخدرات، ما أتاح ضبط محاولات عدّة لتهريب الكبتاغون. إلى جانب ذلك، استفاد لبنان من دعم تقني ولوجستي قدّمته دول عدّة، شمل تزويد الجيش بمعدّات متطوّرة، وتنفيذ برامج تدريب لعناصر أمنية، الأمر الذي ساهم في رفع قدرات المؤسسة العسكريّة، وتعزيز فعاليتها في مواجهة تجار المخدرات وتفكيك شبكاتهم.

حصون المافيا: مال وسلاح وغطاء سياسي
واجه الجيش والقوى الأمنية سلسلة من العقبات في معركتهم ضدّ تجار المخدرات. وأبرز هذه الصعوبات، وفق سريوي، تمثّل في تمتّع عدد من التجار بغطاء سياسي، وفّر لهم الحماية وعرقل عمليات الملاحقة "يضاف إلى ذلك وجود بؤر أمنيّة لا يدخلها الجيش، مثل بعض المخيّمات الفلسطينية التي يتوارى فيها عدد كبير من المهرّبين وتجار المخدرات، فضلًا عن عناصر من منظّمات إرهابيّة. كما شكّلت الحدود البرّية بين لبنان وسوريا تحدّيًا كبيرًا، خصوصًا خلال عهد النظام السوري السابق، حيث حظي تجار المخدرات بغطاء أمني وسياسي من قبل مسؤولين وضباط كبار في جيش الأسد. وإلى جانب ذلك، كان العديد من تجار المخدرات يختبئون داخل أحياء سكنيّة، ويتّخذون من المدنيين وحتّى من أفراد عائلاتهم دروعًا بشريّة، ما يعقّد عمليات المداهمة، إذ يحرص الجيش دائمًا على تجنّب أيّ ضرر قد يلحق بالمدنيين. إلى ذلك، يستخدم التجار كاميرات مراقبة على الطرق المؤدية إلى أوكارهم، وغالبًا ما ينجحون في رصد تحرّكات الدوريات وعمليات الدهم قبل وصولها، فيفرّون ويفلتون من قبضة القوى الأمنية".
تمكنت القوى الأمنية من تعقّب أكبّر التجار وأكثرهم خطورة، ووجهت سلسلة ضربات قاسية لمعامل الكبتاغون. لكن المعارك مع تلك المافيا لم تكن سهلة، وتضاعفت التحديات مع تكديس التجار لكميات كبيرة من الأسلحة وتجنيد شبّان مقابل المال، ما جعل عمليات الملاحقة أشبه بمعارك داخل المدن والقرى والمباني. وقد قدّم الجيش منذ عام 2022 حتى اليوم أكثر من أربعين شهيدًا خلال المواجهات مع المهرّبين وتجار المخدرات، وفق ما لفت سريوي قائلّا "يبذل الجيش والقوى الأمنية جهودًا مكثّفة لمكافحة ظاهرة المخدرات، وقد رفعت القوى السياسية الغطاء عن تجار المخدرات والمهربين والمطلوبين، كما أنّ عمليات الجيش باتت تحظى بدعم كبير من قبل المواطنين الذين باتوا يشعرون بحجم الخطر الذي يهدّد أمنهم ومستقبل أبنائهم، جرّاء تفشي ظاهرة تصنيع وترويج وتعاطي المخدرات".
"امبراطورية الحشيش" تتهاوى
حرب الجيش بمواجهة مافيا المخدرات، ليست مجرد عمليات أمنيّة ظرفيّة، بل مسار ثابت لإسقاط منظومة، ظلّت لعقود تتغذّى من الفوضى، وتستقوي بالسلاح والمال والغطاء السياسي. اليوم، تتهاوى الحصون التي شيّدتها المافيا، وتعود علاقات لبنان العربية إلى مسارها الطبيعي مع تراجع التهريب.ومع كل مداهمة، يتساقط حجر جديد من جدار الإمبراطورية التي شيّدها أباطرة "مملكة المخدرات"، فيما تتقدّم الدولة بخطى ثابتة نحو تضيق الخناق على شبكات المخدرات، وإغلاق مساحاتها المسمومة، واحدة تلو الأخرى.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا