آخر الأخبار

حرائق لبنان تتمدد: خسائر بيئية خطيرة وتحذيرات من تصحّر وارتفاع الحرارة

شارك
بداية الحريق الاخير في بكاسين في جزين لم تكن صدفة طبيعية ولا مجرد موجة حرّ؛ إنّه أثر مباشر لقصف إسرائيلي متكرّر على الجنوب، يعتمد على إشعال الأحراج كتكتيك لإفراغ الأرض من غطائها الأخضر وكسر قدرة المجتمعات على الصمود. هذا النمط الذي شهدته بلدات حدودية عديدة يتعمّد تحويل الغابة إلى خط نار مفتوح، فتلتهمه ألسنة اللهب وتترك خلفها أرضاً عارية يسهل اختراقها. في بكاسين، أصاب القصف محيط الحرج وأطلق شرارة كارثة بيئية امتدّت بسرعة، لتحوّل واحدة من أثمن الغابات اللبنانية إلى مساحات سوداء.

انتهت "النيران المفتوحة" في قضاء جزين، لكن حصيلتها البيئية في محيط حرج بكاسين قاسية: مساحات سوداء في واحدة من أكثف بقع الخضرة جنوب لبنان ، حيث تتجاور السنديان والصنوبر والأشجار المثمرة، وتُعدّ من أكبر غابات الصنوبر المثمر في الشرق الأوسط ومحميّة منذ العام 1996، كما حازت البلدة اعترافًا دوليًا بفضل غابتها وطابعها السياحي الريفي. تؤكّد تقارير ميدانية أن جبهات النار تمدّدت حول أطراف بكاسين وأحاطت بالكتلة الصنوبرية قبل أن تُضبط بمؤازرة الجيش والدفاع المدني، فيما ظلّ خطر تجدّد الاشتعال قائمًا مع الرياح والجفاف. هذه الدينامية النارية مألوفة في جيوب الغابات الجنوبية حين تهب رياح جافة وغطاء وقود كثيف، وهي هنا تفاقمت لأن الشرارة جاءت من قصف مباشر على محيط الحرج.

بكاسين ليست مشهدًا جميلاً فحسب.. إنّها اقتصاد محلي وسلسلة قيمة كاملة مرتبطة بـ"ذهب جزين الأبيض" أي حبّات الصنوبر. أصلاً، كانت الغابة تحت ضغط مزدوج: تغيّر مناخي وجفاف، وآفة "البقّ المخروطي الغربي " التي تفرغ المخاريط من بذورها وتسببت بهبوطٍ قد يصل إلى 80% في الإنتاج على مستوى لبنان خلال العقد الماضي. ومع الحريق الأخير، تعمّقت الضربة، لجهة فقدان أشجار بالغة تحتاج سنوات للتعافي، وتربة مُجهَدة، واحتراق او تقلص موائل لحيوانات ونباتات متخصّصة.

تُعدّ غابة بكاسين واحدة من أثمن الكنوز الطبيعية في لبنان، إذ تمتد على مئات الهكتارات من الأشجار المعمّرة التي تجمع بين الصنوبر المثمر والسنديان والبطم وسواها من الأنواع المتوسطية النادرة. هذه الغابة ليست فقط الأكبر من نوعها في لبنان، بل تُصنّف أيضًا من أكبر غابات الصنوبر المثمر في الشرق الأوسط، وتُشكّل رئةً بيئية للجنوب اللبناني كلّه. هي مصدر رئيسي لإنتاج الصنوبر اللبناني الشهير، الذي يُعدّ جزءًا من التراث الغذائي والاقتصادي الوطني، كما أنها موئل طبيعي لعدد كبير من الطيور والحيوانات والنباتات التي تعيش فقط في النظم البيئية الجبلية. إلى جانب بعدها البيئي، اكتسبت الغابة قيمة سياحية وثقافية استثنائية، إذ تجذب آلاف الزوار سنويًا للتنزه والمشي والتخييم في أحضانها، ما جعل بلدة بكاسين تنال اعتراف منظمة السياحة العالمية كإحدى أفضل القرى السياحية في العالم. بكاسين، بهذا المعنى، ليست مجرد مساحة خضراء، بل هي مختبر طبيعي للتوازن بين الإنسان والطبيعة، ومؤشر حقيقي على قدرة لبنان على حماية ما تبقّى من ثروته الحرجية.

ما يفاقم المأساة أن معظم الحرائق في لبنان لا تُقابل بخطط وقائية فعلية، بل بردود فعل آنية بعد فوات الأوان. ورغم النداءات المتكررة لإنشاء نقاط مراقبة دائمة وشبكات إنذار مبكر وخطوط عازلة، ما زالت الغابات تُترك لمصيرها كل صيف.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا