من الواضح أن المشهد السياسي في
لبنان يتّجه نحو معركة انتخابية قاسية ومفتوحة على احتمالات متعددة، رغم تنامي الحديث عن توافق ضمني على تأجيل الاستحقاق، لكن جوهرها الفعلي ينحصر في نقطتين أساسيتين تحددان ملامح المرحلة المقبلة. النقطة الأولى تتعلق بمحاولة خرق المقاعد
الشيعية ولو بنائب واحد أو اثنين أو ثلاثة، وهو ما تعتبره بعض القوى هدفًا استراتيجيًا يرمي إلى نزع ما يُعرف بـ"السلاح الميثاقي" من "
الثنائي الشيعي"، أي القدرة على التحدث باسم الطائفة كممثل شبه حصري داخل المجلس النيابي.
أما النقطة الثانية، فهي سعي "قوى
المعارضة "، خصوصًا تلك التي تواجه
حزب الله سياسيًا، إلى الفوز ب الثلث المعطّل، بحيث تمتلك كتلة قادرة على فرض توازن داخل
البرلمان ومنع أي طرف من التفرّد بالقرار.
في المقابل، يبدو أن "الثنائي الشيعي" يدرك تمامًا خطورة هذه الأهداف، ولذلك يركّز على حماية بيئته
الانتخابية والحفاظ على وحدة الصوت داخلها، إلى جانب السعي الحثيث للحفاظ على ما لا يقل عن ثلث مقاعد المجلس النيابي المقبل، كي يضمن القدرة على استخدام الفيتو في أي استحقاق وطني أو سياسي حساس.
فالرهان بالنسبة إليه لا يتوقف فقط عند الحفاظ على المقاعد، بل يمتد إلى حماية موقعه السياسي والميثاقي داخل الدولة، ومنع أي خرق يمكن أن يُستثمر لاحقًا داخليًا أو خارجيًا لتقويض هذا الموقع.
وفي ظل هذا التوازن الدقيق، يتصاعد
النقاش اليوم حول إمكانية لجوء
إسرائيل إلى تصعيد جديد، لكن هذا التصعيد، وفق أغلب التقديرات، لا يرتبط فقط بميزان القوى المحلي، بل أيضًا بحجم الإرادة الأميركية في دفع المنطقة نحو مواجهة أوسع. فواشنطن حتى اللحظة تبدو مترددة بين خيارَي ضبط الإيقاع الأمني والاكتفاء بالضغط السياسي، أو الذهاب إلى تصعيد عسكري محدود يخدم مصالحها في إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية.
أما داخليًا، فإن المشهد السياسي يبدو مجمّدًا إلى حدّ كبير، إذ إن أي تطور نوعي أو تبدّل جوهري في المواقف لن يحصل قبل اتضاح صورة الانتخابات المقبلة. فكل
القوى السياسية تتهيأ لتلك اللحظة، وتتعامل مع المرحلة الراهنة كفترة انتظار واستعداد. لذلك يمكن القول إن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، لكنها مرسومة بوضوح في الأفق، حيث ستتقرر من خلالها طبيعة التوازنات الجديدة، ومن سيمتلك القدرة على الفيتو، ومن سيفقد الغطاء الميثاقي الذي شكّل حتى اليوم ركيزة أساسية في النظام اللبناني.