تزداد في الآونة الأخيرة وتيرة الحديث عن حربٍ قريبة على
لبنان ، في مشهدٍ يبدو للوهلة الأولى امتداداً لخطاب التصعيد
الإسرائيلي ، لكنه في العمق يحمل دلالاتٍ تتجاوز البعدين الأمني والعسكري. فالمناخ المشحون بالتهويل ليس مجرد انعكاسٍ لتوتّر الحدود، بل أداةٌ سياسية داخلية تُستخدم بدقة لإعادة خلط الأوراق وتوجيه الأنظار نحو مساراتٍ أخرى.
بات واضحاً أنّ التلويح الدائم بالحرب يخدم في جوانبه غير المعلَنة أهدافاً داخلية تتجاوز التوتر الحدودي، إذ يُستَخدم كوسيلة ضغطٍ سياسية يُراد منها إعادة ترتيب المشهد الانتخابي المقبل. فبعض الدوائر، وفق ما تشير إليه مصادر مطّلعة، ترى في التصعيد وسيلة لإشغال "
حزب الله " تحديداً و"
الثنائي الشيعي" بمعركةٍ جانبية تُستهلك فيها طاقاته السياسية والإعلامية، وتُشتّت جهوده التنظيمية استعداداً للاستحقاق النيابي. وفي الوقت نفسه، يجري توظيف مناخ التهويل لإضعاف البيئة الحاضنة نفسياً، من خلال إبقائها في حال قلقٍ واستنزافٍ دائم، بما يحدّ من حيويتها وقدرتها على التعاطي بثقة مع الملفات الوطنية الداهمة، وعلى رأسها الاستحقاقات السياسية والاقتصادية المقبلة.
في موازاة ذلك، يُستخدَم ملف إعادة الإعمار كورقة ضغطٍ غير مباشرة في سياقٍ سياسيٍ أوسع، إذ بات تأخير انطلاقه جزءاً من لعبةٍ تهدف إلى إبقاء الواقع الاقتصادي معلّقًاً على إيقاع التوتر. فكلما ارتفعت نبرة التهديد بالحرب، جرى تجميد أيّ مبادرةٍ أو تمويلٍ أو استثمارٍ محتمل، بحجّة أنّ لا جدوى من الإعمار ما دام احتمال التصعيد قائماً. وبهذه الطريقة، يتحوّل التهويل إلى وسيلةٍ لتعطيل دورة النهوض، وحرمان المناطق التي شكّلت عمقاً اجتماعياً وسياسياً لـ"حزب الله" من استعادة استقرارها الطبيعي، في محاولةٍ واضحة لربط مستقبل التنمية بالمعادلات السياسية والأمنية المفروضة من الخارج.
غير أنّ هذا المسار التصعيدي لا يبدو مقدَّراً له أن يستمر طويلاً، إذ تشير المعطيات إلى أنّ مرحلة التهويل الراهنة تمثّل ضغطاً ظرفياً أكثر منها تمهيداً لحرب فعلية. فالتصعيد الإعلامي والسياسي سيبلغ ذروته مع نهاية العام، ليبدأ بعدها منحى التهدئة تدريجياً مع مطلع السنة الجديدة، في حال مرّت هذه الفترة من دون تطوراتٍ ميدانية كبرى، وهذا يعني أنّ لبنان سيدخل عملياً في مرحلةٍ من الهدوء الموقّت بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات
الإيرانية – الأميركية. أمّا في حال تعثّرت المساعي الدبلوماسية أو تبدّلت الموازين الإقليمية، فقد تعود احتمالات الانفجار إلى الواجهة مع بدايات الربيع أو الصيف المقبل.
في الخلاصة، لا يبدو أنّ "حزب الله" يتعامل مع التهويل بالحرب كخطرٍ وجودي، بقدر ما يقرأه كمناخٍ مؤقّت تُدار من خلاله رسائل سياسية داخلية وخارجية. فبينما تراهن بعض القوى على الضغط النفسي والسياسي لإضعافه مع اقتراب موعد الاستحقاقات المقبلة، يتعامل "الحزب" مع هذا التوتّر كفرصةٍ محتملة لإعادة رسم التوازنات، سواء داخل الساحة
اللبنانية أو على مستوى معادلات الردع الإقليمي. وفي هذا السياق، يُظهر المشهد الراهن أنّ الرهان الفعلي لا يقوم على الحرب بقدر ما يقوم على المسار السياسي الداخلي، إذ يُستَخدم التصعيد اللفظي والحرب النفسية كوسيلتين لإعادة تشكيل التوازنات ومحاصرة "الحزب" سياسياً، ريثما تنضج التسويات الكبرى في المنطقة. ومع ذلك، يبقى الثابت، وفق المصادر، أنّ "الحزب" لا يتعامل مع التهديد كعبءٍ فحسب، بل كعاملٍ يمكن توظيفه لإعادة تثبيت موقعه وترسيخ حضوره في أيّ معادلةٍ سياسية مقبلة.