من الواضح أن التطورات المتسارعة في
لبنان والمنطقة باتت تفرض واقعًا مقلقًا، خصوصًا بعد المناورة العسكرية التي أجرتها
إسرائيل عند الحدود الجنوبية، والتي ترافقت مع تصريحات متشددة للمبعوث
الاميركي
توم براك . هذه التطورات أعادت إلى الواجهة الحديث عن احتمال اندلاع مواجهة جديدة على الساحة
اللبنانية ، في ظل تصاعد التوتر الإقليمي وتبدّل الموازين في أكثر من ملف.
بحسب مصادر متابعة، فإن ما جرى لا يمكن اعتباره مجرد استعراضٍ روتيني للقوة، بل يحمل رسائل سياسية وأمنية واضحة، أبرزها الضغط على لبنان في الملفات الداخلية وربط الاستقرار الأمني بمدى تجاوبه مع بعض الطروحات الخارجية.
وتشير المصادر إلى أن هذه المناورة جاءت في لحظة دقيقة جدًا، حيث يعيش لبنان مرحلة ترقب داخلي مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي واشتداد الأزمات المعيشية والمالية.
وفي المقابل، فإن ردّ
حزب الله المحتمل في حال حصول أي اعتداء واسع، يُعدّ من أبرز النقاط التي تثير الجدل. فالحزب، بحسب المتابعين، يتعامل بحذر مع التطورات، ويوازن بين ضرورة الردع من جهة، وتجنّب الانزلاق إلى مواجهة شاملة من جهة أخرى. إلا أن بعض المحللين يرون أن أي خطأ ميداني على الحدود، ولو كان محدودًا، قد يتحوّل بسرعة إلى مواجهة مفتوحة، خصوصًا إذا ترافقت مع تصعيد سياسي في الداخل أو ضغط خارجي إضافي.
ورغم هذه المؤشرات، تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن احتمال اندلاع حرب شاملة لا يزال مستبعدًا في الوقت الراهن، لأن أي طرف لا يبدو مستعدًا لتحمل تبعاتها. فإسرائيل تدرك أن أي مواجهة طويلة ستُثقلها داخليًا واقتصاديًا في لحظة تعب كبرى لديها، بينما يعلم لبنان أن الانخراط في حرب جديدة سيضاعف الأزمات التي يعيشها.
لكن في حال وقعت المواجهة، فإن تداعياتها على الداخل اللبناني ستكون بالغة الخطورة. أولًا، من شبه المؤكد أن تُؤجَّل الانتخابات النيابية المقبلة، إذ لن يكون ممكنًا تنظيمها وسط التوتر الأمني والفوضى المحتملة.
ثانيًا، ستتعمّق الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد أصلًا، مع تراجع حركة الاستيراد، وتضرر البنى التحتية، وارتفاع كلفة الإعمار مجددًا. ثالثًا، قد تكون حرب استنزاف بمعنى أنها لن تُحسم بسرعة لأي طرف، ما يعني فترة طويلة من الخسائر العسكرية والسياسية والمالية.
أما الأخطر من كل ذلك، فهو احتمال نزوح مئات الآلاف من اللبنانيين من الجنوب باتجاه مناطق أخرى أكثر أمانًا. هذا النزوح، إذا حصل، قد يخلق واقعًا اجتماعيًا حساسًا، ويؤدي إلى توترات أهلية يصعب احتواؤها، خاصة في ظل الانقسام السياسي الحاد والضائقة المعيشية الخانقة.
تبدو الصورة ضبابية. فالحرب ليست حتمية، لكنها أيضًا ليست مستحيلة. ومع استمرار المناورات والتهديدات، يبقى لبنان عالقًا بين احتمالين: تصعيد مدمّر، أو هدنة هشة مؤقتة تنتظر شرارة صغيرة لتشتعل من جديد.