تتعدد الإشارات المتناقضة التي بدأت تظهر في المشهدين اللبناني والإقليمي، لتكشف عن مرحلة جديدة من الغموض السياسي. فبينما لا يزال المبعوث الأميركي توم براك يرفع سقف التهديدات في وجه
لبنان ، محذرًا من تداعيات عدم تجاوبه في مسألة نزع سلاح "
حزب الله "، يخرج في المقابل
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليعلن "انتصاره" على
إيران وعلى من يصفهم بـ"أذرعها" في المنطقة، في مشهد يوحي بأن هناك مسارين متوازيين يصبان في سياق واحد: الضغط وإعادة ترتيب الموازين قبل أي تسوية مقبلة.
اللافت أن هذا التصعيد الكلامي يترافق مع إصرار أميركي واضح على وضع حد للحرب في المنطقة، ما يعزز فرضية أن ما يجري ليس سوى محاولة للتهيئة لمعادلة جديدة، تحفظ فيها
واشنطن ما تبقّى من نفوذها، وتُبقي لإسرائيل مساحة التحرك من دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة. ومع ذلك، تؤكد مصادر متابعة أن التصعيد الذي أظهره المرشد
الإيراني أمس يوحي أن
طهران تشعر بوجود تهديد فعلي يتنامى حولها، وأنها تعمل على تثبيت قواعد ردع جديدة تحميها من أي استهداف مباشر.
لكن هذه التحركات، وفقاً للمصادر نفسها، لا تعني بالضرورة أن الحرب باتت قريبة. فالتطمينات التي وصلت إلى الإيرانيين عبر القنوات الروسية تشير بوضوح إلى أن
موسكو حصلت على تعهدات غربية بعدم استهداف إيران عسكرياً، وأن أي عمل عسكري واسع في المنطقة غير مطروح في المرحلة الراهنة. هذه الرسائل طمأنت طهران إلى حدّ ما، لكنها لم تُبدّد القلق المتنامي في صفوف قيادتها من أن التصعيد السياسي قد يتحول فجأة إلى ميدان اختبار أمني.
في المقابل، تزداد في
بيروت الأحاديث عن احتمالات فتح قنوات تواصل غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل، في محاولة لاستثمار الجو الضاغط من واشنطن وتل أبيب للدفع نحو مفاوضات ذات طابع سياسي أو أمني. ويرى بعض المراقبين أن التهويل الأميركي والإسرائيلي قد يكون جزءاً من هذا المخطط، بهدف جرّ لبنان إلى طاولة الحوار، ولو من بوابة الخوف من
العقوبات أو الحرب.
في ظل هذا التشابك، يبدو أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة عضّ أصابع حقيقية، بين تهديدات واشنطن وتل أبيب، وثبات بيروت على خياراتها، في انتظار من سيصرخ أولاً.