آخر الأخبار

العلاقات اللبنانية-السورية.. صفحة جديدة تُفتَح مع زيارتي الشيباني ولويس

شارك
لا تبدو زيارة وزير العدل السوري مظهر الويس إلى بيروت تفصيلاً في المشهد السياسي، ولا حتى في رزنامة العلاقات اللبنانية السورية التي لطالما كانت متأرجحة، بل حلقة متقدمة في مسار سياسي متدرّج بدأ قبل أيام مع زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ليشكلا معًا مؤشّرًا واضحًا على أن صفحة جديدة تُفتح بين البلدين بعد سنوات من الجفاء والتباين، خصوصًا في مرحلة ما بعد خروج السوري من لبنان ، في العام 2005.

ويرى كثيرون أنّ التحرك السوري المزدوج، الدبلوماسي والقضائي، يعكس إرادة النظام الجديد في دمشق في إعادة بناء العلاقة مع لبنان على أسس مختلفة عن المرحلة السابقة، بعيدًا عن منطق الوصاية وبما يتلاءم مع الواقع الإقليمي المتغيّر، وهو ما عكسته عمليًا زيارة الشيباني الذي أكّد من وزارة الخارجية اللبنانية أن دمشق "تسعى إلى تجاوز عقبات الماضي"، وبالتالي إلى بناء علاقات ندية مع بيروت، قائمة على التعاون لا التبعية.

وبعد أقلّ من أسبوع على زيارة الشيباني، حطّ وزير العدل السوري في بيروت، من أجل ترجمة هذا التوجه بخطوات ملموسة، من خلال التفاهم القضائي حول تسليم السجناء والمطلوبين بين البلدين، إذ أفضى الاجتماع الذي عقده مع نظيره اللبناني عادل نصّار، بحضور نائب رئيس الحكومة طارق متري، إلى توافق مبدئي على اتفاقية لتسليم السجناء السوريين الموقوفين في لبنان تستثني المتورطين في جرائم قتل أو اغتصاب أو عمليات ضد الجيش اللبناني .

بوابة العدالة لتثبيت الثقة


يُنظَر إلى الاتفاق القضائي المرتقب، بعيدًا عن طابعه القانوني، على أنّه خطوة سياسية بامتياز تهدف إلى تثبيت الثقة بين دولتين لطالما حمل تاريخهما القريب رواسب من التوتر. فلبنان الذي يعاني من اكتظاظ السجون، حيث يشكّل السجناء السوريون نحو 35% من مجموع النزلاء، يرى في الاتفاق وسيلة عملية لتخفيف الضغط القضائي والإنساني، في حين ينظر النظام السوري الجديد إليه للوصول إلى تسوية عادلة تتيح عودة مواطنيه وفق معايير العدالة والإنصاف

ويشير هذا المسار إلى تغيّر جوهري في مقاربة النظام السوري الجديد للملفات الثنائية، بعيدًا عن منطق فرض الإملاءات السياسية الذي ساد في الماضي، منذ ما سُمّيت بمرحلة الوصاية، علمًا أنّ زيارة وزير العدل جاءت بعد سلسلة زيارات قام بها وفد قضائي سوري إلى بيروت، كان الهدف منها التوصّل إلى أرضية تفاهم يمكن الانطلاق منها، من أجل تحقيق نتيجة ترضي الطرفين، وتحقّق المصالح المتبادلة والمشتركة.

ولعلّ اللافت في زيارة وزير العدل السوري أن البحث لم يقتصر على السجناء، بل تطرّق أيضًا إلى تبادل المعلومات حول الفارين من العدالة وملفات الاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان خلال العقود الماضية، وهي خطوة رمزية كبرى بالنظر إلى حساسية هذا الملف. وهنا، تشير المعطيات إلى أن الطرفين أظهرا مرونة غير مسبوقة في مقاربة الملفات العالقة، مع تأكيد مشترك على احترام سيادة كل دولة وعدم المسّ باستقلالها القضائي.

توازن دقيق في بيروت

وبانتظار النتائج العملية للزيارتين، تُطرَح علامات استفهام حول الموقف الرسمي في لبنان من النظام الجديد في سوريا ، في ضوء الانقسام بين مكوّناته حول طريقة وصوله إلى السلطة، وأداء الأشهر الأولى. وفي هذا السياق، تؤكد المعلومات أنّ لبنان الرسمي حريص على أن يُبقي العلاقة ضمن إطار مؤسساتي واضح، وأن يستفيد من الاندفاعة السورية لترتيب الملفات القضائية والإنسانية العالقة، من دون أن يُزجّ في اصطفافات إقليمية جديدة.

ومن هنا يأتي الدور المتقدم لنائب رئيس الحكومة طارق متري الذي يتولّى تنسيق هذا المسار، في توازن دقيق بين المصلحة اللبنانية والسيادة الوطنية. واللافت أن المقاربة اللبنانية لا تبدو سياسية بقدر ما هي عملية، فالحكومة تبحث عن حلول لأزمات ملموسة، أهمّها قد لا يكون ملف الموقوفين، بقدر ما هو ملف اللاجئين الذي يثقل كاهل الدولة، والذي يتطلب حلّه استعادة الحدّ الأدنى من التواصل الطبيعي بين الوزارات في البلدين، بعد أكثر من عقد من القطيعة.

وفي مطلق الأحوال، يمكن القول إن زيارة وزير العدل السوري تمثّل المرحلة التنفيذية من الانفتاح السوري على لبنان الذي دشّنته زيارة وزير الخارجية. ولعلّ الرسالة السورية واضحة: لا عودة إلى زمن الوصاية ولا إلى أدوات النفوذ القديمة، بل إلى علاقة متكافئة بين دولتين تجمعهما الجغرافيا والمصالح المشتركة. أما في لبنان، فثمّة إدراك متزايد بأن تجاهل المتغيّرات في دمشق لم يعد ممكنًا، وأن التواصل مع النظام الجديد ضرورة تفرضها الجغرافيا قبل السياسة.

بينما ينتظر الطرفان استكمال المباحثات وتوقيع الاتفاق القضائي خلال الأسابيع المقبلة، يبدو أن بيروت ودمشق تدخلان فعلًا مرحلة جديدة من العلاقات، تضع العدالة في موقع المقدّمة كمدخل لإعادة ترميم الثقة بين بلدين فرّقتهما السياسة وجمعتهما الضرورات. وقد تكون هذه المرحلة، إن كُتب لها النجاح، بداية مسار طويل نحو علاقة طبيعية بين لبنان وسوريا الجديدة، قوامها التعاون لا الهيمنة، والشراكة لا التبعية.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا