ما قام به الجيش في المنطقة الجغرافية الواقعة جنوب نهر الليطاني تنفيذًا للقرار الذي اتخذته الحكومة في 5 آب الماضي لجهة حصر سلاح " حزب الله " في يد القوى الشرعية لم يكن أمرًا سهلًا. ولكن هذ العمل قد أُنجز وفق ما كان مرسومًا في خطّة القيادة العسكرية، على رغم العراقيل التي حالت دون اتمامه في الشكل الذي كان يتوقعه اللبنانيون التواقون للوصول إلى نهايات تصبّ في خانة تعزيز قدرات الدولة وقواها ومؤسساتها الشرعية.
وهذه العراقيل، كما أوضحها قائد الجيش العماد رودولف هيكل في أول تقرير شهري له، هي داخلية تتمثّل في عدم تجاوب "حزب الله" مع خطّة الجيش مئة في المئة، خصوصًا لجهة عدم إعطائه الـ "الداتا" الكاملة عن مخازن الأسلحة الثقيلة، إضافة إلى الخرائط التفصيلية عن الانفاق الموجودة في هذه المنطقة، مع
العلم أن العناصر المولجة القيام بهذه المهمّة استطاعت في خلال هذا الشهر القيام بـ 4200 مهمة، فضلًا عن وضع يدها على ثمانية أنفاق. إلاّ أن هذا الأمر، وعلى رغم أهميته، لا يعني أن مهمة الجيش كانت سهلة. فالعمل الميداني في منطقة جغرافية مترامية الأطراف، وفيها الكثير من الوديان والتلال والهضاب يتطّلب المزيد من الوقت والجهد الدؤوب للوصول إلى الأهداف المرسومة في الخطة، التي وافقت عليها الحكومة في جلستها في الخامس من أيلول الماضي.
وكما هو واضح فإن هذه العملية المعقدة لن تتمّ بالكامل ما لم يلمس القائمون بها تجاوبًا أكبر من المعنيين بالشأن العسكري في قيادة "حزب الله"، الذي سيجد نفسه في نهاية المطاف ملزمًا بالتعامل مع ما يطالبه به الجيش قبل انقضاء مهلة الشهرين المتبقيين وقبل الانتهاء من المرحلة الأولى من الخطّة، التي تشمل لاحقًا كل الأراضي
اللبنانية .
وهذا الالتزام المطالب به "حزب الله" طوعًا وبملء ارادته موضوع على طاولة البحث الجدّي في الاجتماعات المغلقة للقيادتين السياسية والعسكرية، وذلك على خلفية القراءة الواقعية البعيدة عن الشعبوية عمّا حدث في هذين العامين، اللذين كانا قاسيين على "الحزب" وعلى بيئته، وفي ضوء ما تمّ التوافق عليه بين حركة "حماس" وإسرائيل بضغط أميركي في شأن قطاع غزة وفق خطّة الرئيس
دونالد ترامب .
أمّا بالنسبة إلى العراقيل الخارجية فتنحصر باستمرار الجيش
الإسرائيلي في اعتداءاته اليومية على أكثر من موقع، سواء في جنوب الليطاني أو في غيره من المناطق اللبنانية، مع إصراره على إبقاء احتلاله للتلال الخمس. وهذان العاملان قد أثّرا في شكل سلبي على تنفيذ كامل خطّة "حصرية السلاح" في الشكل المطلوب لبنانيًا وعربيًا ودوليًا. وهذا ما كان صرّح به رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في الكلمة التي ألقاها من على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وهذه الكلمة جاءت في سياق حراك ديبلوماسي متواصل مع الدول العربية الشقيقة ومع أصدقاء
لبنان في العالم، الذين لهم تأثير مباشر على عواصم القرار بالنسبة إلى وضعية لبنان من خلال ممارسة واشنطن أقصى الضغوطات على
إسرائيل لكي تنسحب من التلال التي لا تزال تحتلها في الجنوب والالتزام بمندرجات اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي المعلومات الديبلوماسية أن المسؤولين اللبنانيين يركّزون تحرّكهم في الوقت الراهن، وبعد التوصّل إلى حلّ بالنسبة إلى قطاع غزة، على ألا يستثنى لبنان من هذا الحلّ، وأن يكون شاملًا، أي أن تتكامل خطّة ترامب الغزاوية مع الورقة الأميركية اللبنانية.
وفي اعتقاد أكثر من مسؤول ديبلوماسي غربي أن العقبة الرئيسية أمام الحلّ الأميركي الشامل ليست في حارة حريك، بل هي في طهران. ومتى اقتنع النظام
الإيراني بأن زمن الأول قد تحوّل فإن تطبيق "الحلّ الغزاوي" على لبنان يصبح من البديهيات، خصوصًا بعدما قطع المسرى التفاوضي بين تل أبيب ودمشق شوطًا لا بأس به توصلًا إلى تفاهمات أمنية بين
سوريا وإسرائيل.
وفي الاعتقاد أن القبول المشروط لحركة "حماس" بالحلّ الأميركي لم يأتِ من فراغ، بل هو صدى لنتيجة ما تمّ التوصّل إليه في الاتصالات المتواصلة بين واشنطن وطهران. وقد يكون "الحلّ الغزاوي" مقدمة لحلّ يشمل لبنان وسوريا، ويكون مقدمة لقبول
إيران بالشروط الأميركية بالنسبة إلى المسار النووي، خصوصًا بعد تصريح المرشد الروحي للثورة
السيد على خامنئي، والذي اعترف فيه بأن طهران لا تسعى إلى امتلاك قوة نووية عسكرية.
ويبقى السؤال: هل يأخذ "حزب الله" العبرة مما حصل في غزة؟ (للحديث تتمة)