آخر الأخبار

الأخصائي النفسي في المدارس... حاجة ضرورية لا اختيارية

شارك
في كثير من الأحيان، يذهب الطالب إلى مدرسته كأيّ يومٍ عادي، حاملاً حقيبته وكتبه، لكن في داخله أعباء لا تُرى.
قد يكون أحدهم استيقظ على صراخٍ بعد شجارٍ بين والديه، أو سمع والده يشكو من ضيق الحال وهمّ الأقساط، أو يعيش حزن فقدان شخصٍ عزيز لم يتجاوزه بعد.
هذه الأوجاع ترافق الطلاب إلى مقاعد الدراسة، وكثيرون منهم لا يجدون من يصغي إليهم أو يبوحون له بما يعانونه.
ومؤخرًا، أنهى الشاب كريستوفر أبو شديد، ابن السبعة عشر عامًا، حياته بطريقة مأسوية. حادثةٌ مؤلمة أعادت التذكير بأن كلمةً صادقة، أو إصغاءً حقيقيًا، أو دعمًا نفسيًا بسيطًا، كان يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا، وربما يمنع خسارة حياة.
رحيل كريستوفر أعاد تسليط الضوء على أهمية وجود أخصائي نفسي في المدارس. فكم هو ضروري؟

توضح الأخصائية النفسية منال بو كروم في حديثٍ لـ" لبنان 24 " أن وجود الأخصائي النفسي أو المرشد التربوي داخل المدرسة هو ضرورة أساسية لحماية الصحة النفسية للطلاب.فهو يتيح الاكتشاف المبكر لأي مؤشرات على القلق أو الاكتئاب أو التغيّرات السلوكية، ما يسمح بالتدخّل السريع قبل تفاقم المشكلة.
وتشرح أن جلسات الأخصائي توفّر مساحة آمنة وسرّية تمكّن الطالب من التعبير عن مشاعره ومخاوفه بحرّية، بعيدًا عن الحكم أو الانتقاد، وهو ما يفتقده بعض الأطفال داخل أسرهم.
كما يساهم الدعم النفسي في تطوير مهارات التكيّف مع الضغوط اليومية، مثل الغضب أو الحزن أو المشكلات العائلية والاجتماعية، من خلال تعليم استراتيجيات تناسب كل حالة.

تعزيز بيئة مدرسية سليمة
تضيف بو كروم أن دور الأخصائي لا يقتصر على الجلسات الفردية، بل يمتد إلى تعزيز العلاقات داخل البيئة المدرسية.
فهو يدرّب الطلاب على مهارات التواصل، وينمّي الثقة المتبادلة ، ويساعد على حلّ الخلافات بطريقة بنّاءة، إلى جانب نشر قيم التعاطف والاحترام.
وفي حالات التنمّر، يتدخّل الأخصائي لدعم الضحية والمُتنمّر معًا، لأن السلوك العدواني غالبًا ما يكون انعكاسًا لمشكلات نفسية داخلية.
أما على المستوى الأكاديمي، فمعالجة الاضطرابات النفسية والاجتماعية تنعكس مباشرةً على التحصيل الدراسي، إذ يتحسّن أداء الطلاب فور تجاوزهم هذه الصعوبات.

كيف يعمل الأخصائي داخل المدرسة؟
تشرح بو كروم أن التدخّل يبدأ عادةً عبر جلسات فردية لمتابعة الطلاب الذين يحتاجون إلى دعم مباشر، لفهم جذور مشكلاتهم ووضع خطة مساندة مناسبة.
وبسبب كثرة الطلاب وضيق الوقت، يُعتمد أيضًا على الإرشاد الجماعي والورش التدريبية التي تعزّز المهارات الاجتماعية والعاطفية لدى أكبر عدد ممكن من الطلاب.
وتشدّد على أهمية اعتماد الإرشاد الصفي المنتظم، على شكل دروس توعوية أسبوعية حول مواضيع مثل الصحة النفسية، إدارة الانفعالات، والتواصل البنّاء.
وتقول إن هذا النظام، الغائب عن معظم المدارس اللبنانية ، يرفع الوعي النفسي ويساعد على كشف الحالات التي تحتاج إلى متابعة خاصة.
كما تلفت إلى أن الاستبيانات الصفّية تساعد الأخصائي على قياس الحالة النفسية للطلاب وتطوير برامجه وفق احتياجاتهم، مشدّدة على أهمية متابعة ملفات الطلاب منذ بداية العام، خصوصًا للفئات الأكثر عرضة للمخاطر: من فقدوا أحد أفراد عائلتهم، أو يعانون أمراضًا مزمنة، أو يعيشون ظروفًا اجتماعية صعبة.

المراهقة... المرحلة الأخطر
أما في ما يتعلّق بالمراهقين، فتشير بو كروم إلى أن هذه المرحلة الحساسة تتطلّب توعية مستمرة حول التغيّرات الهرمونية والانفعالية التي يمرّون بها.
فوجود ورشات توعوية منتظمة قد يجنّبهم الوصول إلى مراحل إحباطٍ خطرة كالتي شهدناها في حادثة كريستوفر، إذ تساعدهم على فهم مشاعرهم والتعامل معها بطرق صحيّة.

وتؤكد أن دور الأخصائي يجب أن يتكامل مع الأهل والمعلّمين، من خلال ورشات توعوية للأهالي حول احتياجات أبنائهم النفسية وأساليب التربية السليمة، وتدريب المعلّمين على رصد المؤشرات السلوكية والتعامل الأولي معها قبل إحالتها إلى المختصّين.

وتضيف أن عدد الأخصائيين في المدارس غير كافٍ، مشيرة إلى توصية الجمعية الأميركية للإرشاد المدرسي (ASCA) بتخصيص أخصائي واحد لكل 250 طالبًا، مع ضرورة توزيعهم بحسب الفئات العمرية لضمان فعالية الدعم النفسي.

أثرٌ وقائي وحياةٌ تُنقذ

تختم بو كروم بالتأكيد على أن وجود الأخصائي النفسي داخل المدرسة يجعل الطالب يشعر بأنه مهمّ ومحبوب وذو قيمة، وهذه الخطوة الأولى نحو الشفاء.

فدوره لا يقتصر على العلاج، بل هو وقائي بالدرجة الأولى، إذ يساهم من خلال الورش والأنشطة في تنمية الذكاء العاطفي، والمهارات الاجتماعية، والوعي الذاتي لدى الطلاب، إلى جانب تعزيز التعاطف وضبط الانفعالات وتنمية المرونة النفسية التي ترافقهم في مواجهة تحديات الحياة.

إذًا، على المدرسة اليوم أن تكون البيت الثاني للطلاب، فإذا فقدوا الأمان أو الراحة في منازلهم، يجب أن يجدوا في المدرسة ملجأً آمنًا يعبّرون فيه عمّا يشعرون به ويدعمهم الأخصائيون النفسيون. فبذلك، نكون أمام جيلٍ يتمتّع بصحة نفسية متوازنة، قادرة على مواجهة الحياة بثقة ووعي.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا