كتب ابراهيم ناصرالدين في " الديار": لفت الاعلان الواضح والصريح من قبل الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، بان
المقاومة قد استعادت عافيتها على كافة المستويات بما فيها الجهادية. فهل هذا الاعلان جزء من استراتيجية الردع لدرء اي عدوان جديد يجري الترويج له؟ هل هو لرفع معنويات البيئة الحاضنة؟ ام ثمة مؤشرات على نجاح الحزب في تعزيز قدراته خلال العام المنصرم؟ لا أحد يملك جوابا قاطعا عن تلك الاسئلة، ولا احد يملك دليلا على ذلك، كما يقول سفير دولة اوروبية، اشار امام عدد من زواره الى اننا قد نحتاج الى حرب جديدة لمعرفة طبيعة هذا التعافي وحدوده؟! لكنه لا يخفي تعامل العديد من اجهزة الاستخبارات الغربية بجدية مع سردية
حزب الله .
على المستوى الامني، ثمة جزم بان حزب الله تجاوز معظم أخطاء الماضي، وبات اليوم اكثر قدرة سد الثُغر التي نجح العدو في النفاذ منها سابقا، بدليل ان "اسرائيل" لم تنجح خلال الاشهر القليلة الماضية من استهداف اي شخصية رفيعة المستوى، او اي موقع يمكن تصنيفه "بالدسم" عسكريا او امنيا، ويقول بعض العارفين ان الهيكلية الامنية قد اعيد بناؤها من جديد، بشريا، ولوجستيا، مع فصل حاد للوحدات والدوائر، مع اعتماد هرمية جديدة غير متصلة، والاهم من كل ذلك، الابتعاد عن "اللعب في الملعب" الاسرائيلي، من خلال العودة الى "العصر الحجري" تكنولوجيا، لتجنب اي اخترق محتمل. اما الهيكل التنظيمي، فكان الاكثر سلاسة، وسرعة في استعادة التعافي، ولم يعد اي موقع شاغر في المستويات العليا، والوسطى، والدنيا، لكن مع تغيير جذري في البنية الداخلية التي باتت ضمن تقسيمات جديدة، غير متداخلة، ومنفصلة بحيث لا تحتاج الى بعضها بعضا الا في ما ندر، وهذا يقلل من مروحة العارفين بالتركيبة الجديدة، والقيادات التي تديرها.
ويبقى السر الاكبر، الجهوزية العسكرية، واذا كان حزب الله لا يعاني على مستوى الكادرات البشرية، وبات معروفا استلام جيل جديد لقيادة السرايا والوحدات، فيما تبقى الاسماء التي انضمت الى المجلس الجهادي في "علم الغيب"، علما ان احدا لا يملك معلومات حيال تركيبته الجديدة، لجهة عديدها، او طبيعة المهام الجديدة الموكلة لاعضائها، وهو غموض بناء، يشمل ايضا شريحة واسعة من المنتمين الى الحزب الذين لا يملكون اطلاعا على اكثر من حدود مهامهم. اما موضوع اعادة ملء المخازن بالاسلحة النوعية، فيبقى مجرد تكهنات، لان المعلومة الوحيدة الموثوق بها، صدرت عن الامين العام الشيخ نعيم قاسم الذي يجزم باستعادة العافية الجهادية، ولا يبدو انه مستعد للمغامرة بمصداقيته في ظروف لا يملك احد ترف لوم المقاومة او سؤالها عن الجهوزية في ظل الحصار المالي، والجغرافي، بعد سقوط النظام في
سوريا ، ولهذا يجب الاخذ بكلامه على نحو جاد، والمؤشرات الدالة على احتفاظه بقدرات لا يستهان بها كثيرة، بعيدا عن التجهيز الجديد، وابرزها ان حزب الله، وبعد فترة ضياع استمرت عشرة ايام "قاتمة" مع بدء العدوان الاسرائيلي، عاد حينذاك والتقط انفاسه من جديد، في ظل الحرب، ليس فقط على الصعيد البري، وانما اظهر قدرة على الاستمرار في اطلاق الصواريخ والمسيرات حتى آخر ايام قبيل اعلان وقف النار، حين استهدف قلب تل ابيب، بصواريخ دقيقة، وقبلها أصاب مقر إقامة رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو في قيسارية في وسط "
إسرائيل "، على بعد أكثر من 40 كلم من الحدود، وكانت المرة الثانية في أسبوع التي أظهر فيها حزب الله قدرة على اختراق الدفاعات الجوية
الإسرائيلية باستخدام المسيّرات. بعد ان أسفر هجوم قبل ذلك بأيام عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين واصابة 60آخرين في قاعدة لوحدة النخبة العسكرية، فيما استمر استخدام صواريخ مضادة للدبابات "كورنيت" على طول
الجبهة ، كما ارتفعت وتيرة إطلاق حزب الله للصواريخ، حيث أطلق ما معدله 200 صاروخ وقذيفة كل يوم فيما بلغ متوسطها في الايام العشرة الاولى بضع عشرات فقط.
كل ما تقدم يبقى مجرد تقاطع للتحليلات والتكهنات، ولا معلومة يمكن الركون اليها على نحو جازم، الجميع وفي مقدمتهم "اسرائيل"، يبحثون عن الحقيقة التي لن تتكشف الا في الميدان، واذا كانت "مجموعة الأزمات الدوليّة"، قد خلصت الى انه من غير المرجّح أن تقيّد
واشنطن عمليّات إسرائيل العسكريّة إذا قرّرت توسيعها ضدّ حزب الله، يبقى انتظار ترجمة قيادة المقاومة لمعنى "التعافي" في سياق حرب "كربلائية" اختارها الحزب عنوانا لاي مواجهة مقبلة.