كتب طوني عيسى في" الجمهورية": منذ شهر تماماً ، توقف الناس عن التصفيق لعون وسلام اللذين كانا قد اتخذا قرارات جريئة في 5 و 7 آب. ففي 5 أيلول، بدأت الخيبة تغزوهم عندما جاءت قرارات
مجلس الوزراء فضفاضة متناقضة وتقول كل شيء في آن واحد. وكثيرون وصفوا هذه القرارات بـ «الفضيحة». وعبر عدد من القوى السياسية في الداخل ومن الدول المعنية بالوضع اللبناني، عن الخيبة. وقبل أيام، وفيما الجميع ينتظر ما سيقوله الجيش في تقرير الشهر الأول عن السلاح، جاءت حكاية الروشة لتثير مزيداً من الشكوك في جدية الدولة. وفي الخلاصة، كثير من الذين راهنوا على أن عون سيلتزم خطاب القسم وسيعمل على حصر السلاح بالجيش دون سواه، وجدوا أنه منح الأعذار لـ «حزب الله» في «التراخي وتحدي الدولة، من مسألة السلاح الذي سيدافع عنه «الحزب» «كربلائياً» كما قال أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، إلى أضواء الروشة، ثم أطلق حواراً مع الرئيس
نبيه بري و«الحزب، يبدو وكأنه يعمق عزلة سلام السياسية. وفي هذا المناخ، بدت جبهة السلطة التنفيذية الجديدة التي عقد عليها الرهان لبناء الدولة، وكأنها تتفكك بسبب اختيار عون أن يتموضع في متراس قريب من «الحزب».
هذا الكلام يسمعه عون كثيراً هذه الأيام، بل وصل إلى مسامعه وهو في نيويورك يشارك في اجتماعات
الأمم المتحدة ، ويعقد لقاءات على هامشها، أبرزها مع
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو المعروف بمواقفه المتشددة في مسألة سلاح حزب الله» ودوره في
لبنان .
المطلعون على موقف عون يرفضون تماماً اتهامه بالتراخي على حساب الدولة، ويقولون إن الأحكام التي يطلقونها غير مبنية على أساس منطقي، بل هي مجرد تخمينات، وتستند إلى مخاوف قديمة من عودة عقارب الساعة إلى الوراء في لبنان، أي العودة إلى معادلة تكون فيها الدولة ومؤسساتها ضعيفة وعاجزة. لكن هذه المخاوف، كما يقول هؤلاء، لا تستند إلى أي أساس. ومسار الدولة الذي انطلق لن يوقفه شيء أو أحد. وفي هذا المعنى عون ورئيس الحكومة يلتزمان المقدار إياه من الحرص على الدولة والمؤسسات، ويتمسكان بحصر السلاح بيدها. لكن الاختلاف يكمن في الأسلوب فقط، وفي اعتماد التكتيك الأفضل لبلوغ الهدف.
مؤيدو عون يقولون: هل كان روبيو يصف اجتماعه مع عون بالإيجابي لو كان موقف رئيس الجمهورية ملتبساً في مسألة نزع السلاح وحصره بالدولة؟ وهل كان الأميركيون يتبعون هذا الموقف بترجمة عملية من خلال تزويد الجيش وقوى الأمن مساعدات مقدارها 230 مليون دولار، في سياق السعي إلى نزع سلاح حزب الله»؟ في الواقع، يرتكز موقف عون وفق هؤلاء إلى اقتناع بأن البراغماتية هي الأسلم لبلوغ الهدف، نظراً إلى التعقيدات الحادة التي تحوط بالملف. وهناك تفهم دولي لهذا النهج. فـ «الحزب سيقتنع من تلقاء نفسه بأن الظروف التي وصل إليها، بفعل إشعاله حرب المساندة واضطراره إلى توقيع اتفاق وقف النار في تشرين الثاني من العام الفائت، ستحتم عليه، رضائيا مواجهة الوقائع ومراعاة المتغيرات. وهو في النهاية سيتخلى عن سلاحه للدولة ما دام ذلك مطلباً دولياً. وكما وافق «الحزب» على توقيع وثيقة يتخلى فيها عن سلاحه للدولة، بسبب الضغوط العسكرية والسياسية، فإنه سيلتزم الوفاء بتوقيعه ما دامت هذه الضغوط قائمة ومرشحة للتصاعد. وسيكون دور الدولة حضانة «الحزب دائماً كما حضانة كل الفئات والمكونات في لبنان. ولا مجال للتعاطي بكيدية أو انتقامات أو تحديات بين اللبنانيين. لذلك، إن غيمة التوتر في العلاقات بين عون وسلام ستعبر سريعاً، ولو حاول المتضررون من توافقهما محاولة إزكاء النار بينهما في السياسة أو الإعلام، وفي الواقع يقال إن «الحزب» لا يهمه التحالف مع أي من الرجلين، وإن حملاته على عون لم تتوقف منذ سنوات. وكل ما يريده هو الاستفادة من فرصة التباين داخل جبهة الحكم ليزيد في اتساعها ويرتاح. إنها لعبة «عض أصابع». وكل من طرفي المواجهة حول السلاح يراهن على أن الآخر سيصرخ أولاً. وأما عون فيراهن على أن «الحزب سيأتي في النهاية إلى الدولة. فعندما تعلق السمكة في الصنارة، لا يغامر الصياد بشد الخيط في اتجاهه بسرعة ودفعة واحدة، لأنه قد ينقطع فيخسر كل شيء. بل إنه يقوم تكراراً بجذبه قليلاً في اتجاهه، ثم يرخيه بمقدار أقل. وفي النهاية، تجد السمكة نفسها داخل السلة.
وكشف مصدر سياسي رفيع لـ«الأنباء الكويتية» عن أن «اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام في قصر بعبدا، شكّل محطة أساسية لمصارحة ومكاشفة حيال مسار الأمور منذ بدأت الحكومة مهامها الدستورية وصولاً إلى الإشكالية الأخيرة المعروفة بـ«واقعة الروشة». وتحوّل الاجتماع الى مناسبة لتوضيح المواقف وإعادة ترتيب الأولويات، بما يرسّخ العلاقة بين الرئاستين في ظل التحديات الداهمة».
وبحسب المصدر، فإنّ الرئيس عون «عرض بتفصيل وجهة نظره حول الاستحقاقات وكيفية التعامل مع الملفات المطروحة، فيما قدّم الرئيس سلام قراءته لمجمل المرحلة ومقاربته المختلفة للملفات. غير أنّ ما تبيّن من الحوار أنّ التناغم قائم حول الأسس والثوابت التي ترتكز إلى خطاب القسم من جهة والبيان الوزاري من جهة أخرى، بينما تكمن الإشكالية فقط في أسلوب المعالجة وطريقة إدارة
القضايا ، وهذا اختلاف لا يمسّ الجوهر بل يعبّر عن تباين في الأداء والمقاربة».
وأشار المصدر إلى «أنّ الأهم هو الاتفاق الذي جرى بين الرئيسين على مواجهة أي مستجد بروحية التعاون والتنسيق، بحيث تكون المواقف موحدة وتصدر بلغة واحدة. ويمكن التأكيد ان هذه الخلاصة تشكّل صمام أمان في مرحلة حاسمة يمر بها لبنان، وتتطلب استمرار الشراكة المؤسسية فيها بين بعبدا والسرايا تماسكاً وتوازناً يحول دون أي ارتباك سياسي أو مؤسساتي».
ولفت المصدر إلى «أنّ ما قام به الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في التعامل مع واقعة الروشة، كان عاملاً حاسماً في منع أي تداعيات خطيرة، إذ لم يتحوّل الأمر إلى مواجهة شارع مقابل شارع، بل جرى احتواء الوضع سريعاً. كما أنّ المرجعيات الدينية لعبت دوراً أساسياً وصامتاً في تهدئة الأجواء وضبط الشارع، وهذا ما أسهم في حماية الاستقرار وتكريس الالتزام بروح اتفاق الطائف ونصه كإطار ضامن للوحدة الوطنية».