آخر الأخبار

رسالة مفتوحة إلى النافخين بأبواق الحرب الأهلية

شارك
لست أدري ما هي الحكمة من ترداد كلمة " الحرب الأهلية " على ألسنة معظم الذين يطّلون اليوم إعلاميًا، وفي مثل هذه الظروف القاسية والصعبة، التي يمر بها الوطن، وفي الوقت التي لا تزال فيه إسرائيل تحتل أجزاء واسعة من الجنوب، وتمنع أهله من العودة إلى قراهم المدّمرة؟ ولست أدري ما هي الحكمة في كل مرّة يدق "الكوز بالجرّة" تطفو على صفيح الأحداث نغمة ما يُسمى بـ "الحرب الأهلية"؟ ولست أعلم من هي تلك الجهة التي تدفع اللبنانيين دفعًا نحو التقاتل، ومن هي تلك الجهة، التي لا تزال لديها القدرة على تحريك المياه العكرة، ومن هي تلك الجهة، التي تسعى إلى تغليب منطق القوة على منطق العقل والحكمة؟
كثيرون من اللبنانيين من هذه الجهة أو تلك، وأنا واحد منهم، هم من جيل كوته الحرب في لبنان . وفي كل مرّة تمرّ ذكراها بالبال يقولون "تنذكر وما تنعاد". فمن لم يعش الحرب وبشاعتها لا يعرف مرارتها وصعوبتها وخطورتها. ولا يعرف حتى ما خلّفته من مآسٍ وويلات، وكم يتمّت من أطفال كانوا بعمر الورود، وكمّ أثكلت أمهات.
فاللعب بنار "الحرب الأهلية" خطير جدًا، خصوصًا أن لا أحد من اللبنانيين يريد أن تعود تلك الأيام السود، وأن تعمّ الفوضى أرجاء البلاد، وتغيب الدولة عن السمع، على رغم أن ما يعيشه اللبنانيون اليوم من أزمات اقتصادية ومالية تفوق ببشاعتها ما عاشه قبلهم في عزّ الحرب البشعة، التي لا تشبه ببشاعتها أي شيء آخر، مع العلم أن ما نعيشه في هذه الأيام السيئة الطالع قد يفوق ببشاعته بشاعة الحرب، خصوصًا أن صفحات وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالحقد والكراهية والسباب والشتائم والكلام السوقي البعيد كل البعد عمّا تدعو إليه تعاليم الأديان السماوية كافة.
فلماذا ترد هذه الكلمة المقززة على ألسنة عدد لا بأس به من المسؤولين، إمّا تلميحًا، وإما مواربة وإما بالمباشر، وإن كان بعض حسني النية يقصدون التحذير من مساوئ "الحرب الأهلية". فاللبنانيون على رغم خلافاتهم السياسية يحاولون أن ينسوا مآسي هذه الحرب القذرة، وهم على غير استعداد لخوض غمارها مرّة جديدة. فأغلبية اللبنانيين يريدون أن يعيشوا في سلام ووئام، وهم أبناء بيئة تحب الحياة وترفض أن تكون وقودًا يتدّفأ عليها الآخرون، الذين لديهم غايات غير تلك التي لدى الشعب اللبناني، الذي ينتظر بفارغ الصبر متى تنتهي عذاباته اليومية، التي هي نتاج السياسات الخاطئة، التي مارسها أهل السلطة على مدى سنوات، منذ أن أسكت اتفاق الطائف المدفع.
صحيح أن الحرب الأهلية لا تحتاج الى صواريخ دقيقة، كما يُقال، "وإنما الى كلاشينكوف ومضادات وهذه الاسلحة متوافرة عند غالبية اللبنانيين"، على حدّ قول شهير للسيد حسن نصرالله .
لا شكّ في أن ثمة جهات داخلية تعمل على إيصال اللبنانيين إلى المكان الذي لا يريدونه، ولكن يبقى السؤال: من هي تلك الجهات، وما هي أهدافها، ومن يحرّكها، ومن يمّولها، ومن يحقنها بالكره والبغضاء، ومن هو المستفيد من أي حرب قد تندلع بين اللبنانيين بتحريك من الخارج، لأن حرب 1975 لم تكن لتندلع لو لم تحرّكها جهات خارجية أرادت أن تبعد النار عن ديارها، فاستعملت الساحة اللبنانية كبديل عن ساحاتها، ولم يكن اللبنانيون لينخرطوا بها لو لم يُستفزّون، ولو لم يروا بأمّ العين كيف أن الخارج أراد استغلال الوجود الفلسطيني الفوضوي وفق مخطط جهنمي، قيل يومها بأن البعض أراد أن يكون لبنان بلدًا بديلًا عن فلسطين .
ثمة قناعة خارجية بأن كل كلمة تُقال في هذا المجال وفي هذا التوقيت بالذات لها معانيها ومدلولاتها، خصوصًا أن ما حصل من أمام صخرة الروشة وإصرار " حزب الله " على إضاءتها بصورة شهديها السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، وما أحدثته هذه الخطوة على صعيد كسر هيبة الدولة أولًا، وعلى صعيد استفزاز "الشارع الآخر"، جاء ليعزّز مدلولات الكلام الذي يتردّد عن "الحرب الأهلية".
ويتزامن هذا الحديث في الوقت، الذي بات فيه اللبنانيون يعتقدون أن أمنهم بات مكشوفًا ومشرّعًا على كل الاحتمالات، ومن بينها بالطبع ما يُحكى عن خطة "باء" في الاجندة الإسرائيلية ، والتي ألمح إليها توم برّاك قبل أن يعود ويستدرك خطورة ما قاله.
أيًّا تكن المعطيات لدى جميع الذين يتكلمون عن "الحرب الأهلية"، سواء عن حسن نية أن سوء نية لدى البعض، فإن اللعب على وتر هذه الحرب يُدخل لبنان من جديد في دوامة الحقد والكراهية.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا