آخر الأخبار

مسار الحزب بعد عام من الحرب.. بين المقاومة وبناء الدولة

شارك
عام كامل مر على اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان ، عام اتسم بالدمار والتهجير والاستنزاف، لكنه أيضاً أثبت أن التوازنات لم تكسر على الرغم من الضربات القاسية والاغتيالات النوعية التي طالت قيادة حزب الله وفي طليعتها الأمين العام السيد حسن نصر الله. وما يجعل اللحظة الراهنة أكثر رمزية أن لبنان يقف على أعتاب الذكرى الأولى لاغتيال الرجل الذي شكل لعقود الوجه الأبرز للمقاومة، في وقت تتسارع فيه التطورات نحو استحقاقات قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة، لا سيما أن اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي التزم به لبنان ضربته اسرائيل عرض الحائط.

اغتيال السيد نصر الله لم يكن حدثاً عادياً في سياق الحرب، بل شكل صدمة مزدوجة من حيث خسارة قيادة استثنائية تمتلك كاريزما وتأثيراً إقليمياً، وامتحاناً لبنية الحزب وقدرته على الصمود في غياب قائده التاريخي. غير أن حزب الله سارع إلى احتواء التداعيات عبر انتقال منظم للقيادة، فبرز الشيخ نعيم قاسم كأمين عام جديد، مستنداً إلى الشرعية الداخلية التي وفرها الإجماع التنظيمي، وإلى شرعية الشارع التي عززتها سرعة الظهور والخطاب الواثق.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة إلى أن الحزب يشهد في المرحلة الراهنة تطورات تنظيمية داخلية واسعة النطاق، لا يظهر منها إلى العلن سوى جزء محدود. هذه الورشة يقودها الشيخ قاسم، وتشمل مراجعة شاملة للبنية الإعلامية والسياسية والعسكرية والأمنية، إضافة إلى الجوانب التنظيمية الأخرى، والهدف منها تعزيز حضور الحزب وتحصين موقعه في مواجهة الاستحقاقات المقبلة، فضلاً عن ترميم الجسور مع الحلفاء.

منذ تعيينه أميناً عاماً، حرص قاسم على أن يجمع في خطابه بين التمسك بخيار المقاومة وسلاحها، والانفتاح على الداخل والخارج بلهجة سياسية أكثر مباشرة، دعا فيها إلى فتح صفحة جديدة مع السعودية والتعاون مع الخصوم اللبنانيين لتفادي تقديم خدمة مجانية لإسرائيل.

لكن العودة بالذاكرة إلى ما قبل الاغتيال تكشف أنّ السيد نصر الله نفسه كان قد بدأ عملية فكرية عميقة تجاوزت حدود المقاومة العسكرية إلى مقاربة مشروع الدولة. ففي 22 شباط الماضي، نشر النائب علي فياض مقالاً في "صحيفة الأخبار" بعنوان السيد والمقاومة والدولة، أشار فيه إلى أنّ السيد نصر الله كان قد تحدث قبل الأزمة السورية عن وثيقة بعنوان نحو دولة قادرة وعادلة، تضمنت رؤية شاملة لإصلاح النظام اللبناني، غير أنّ الظروف حالت دون إعلانها. وفي مرحلة لاحقة أعلن شورى الحزب تبنّيه النهائي لمقولة لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، مستعيداً بذلك خطاب الإمام موسى الصدر ثم وردت في اتفاق الطائف، قبل أن تتحول إلى نص في الدستور اللبناني. وهذا التطور في المقاربات يعكس توجهاً متدرجاً نحو تثبيت هوية الحزب كجزء من الكيان اللبناني لا خارجه، وإن ظل السلاح نقطة التباين الأساسية.

اليوم، وبعد عام على الحرب وأيام قليلة تفصلنا عن الذكرى الأولى لاغتيال السيد نصر الله، يبدو حزب الله أمام معضلة مركبة، فهو من جهة متمسك بسلاحه باعتباره الضمانة الوحيدة بوجه إسرائيل ، ومن جهة أخرى يواجه ضغوطاً داخلية ودولية متصاعدة تطالب بحصرية السلاح بيد الدولة كشرط لأي تسوية. وهنا تتقاطع خطابات الشيخ قاسم الأخيرة مع تلك الرؤية المؤجلة للسيد نصر الله والمتصلة بالحديث عن بناء الدولة، إصلاح النظام، المشاركة في الحكم، ولكن دائماً من موقع الاقتدار لا من موقع التنازل.

في هذه اللحظة الفاصلة، يظهر المشهد وكأنه إعادة اختبار لمعادلة لبنان المقاومة في مواجهة لبنان الدولة. عام الحرب أثبت أن المقاومة لا تزال قادرة على الصمود، لكن اغتيال السيد نصر الله فتح سؤالاً أعمق حول مستقبل الحزب في غياب رمزه التاريخي. الذكرى الأولى لاغتياله ليست مجرد محطة عاطفية، بل هي مناسبة سياسية ترسم حدود التحولات المقبلة، فهل يستمر الحزب في الجمع بين السلاح والسياسة على النحو الذي أسسه السيد نصر الله ويمضي الشيخ قاسم في تكريسه، أم أن الاستحقاقات المقبلة ستفرض صياغة جديدة لعلاقة المقاومة بالدولة، بين مشروع مؤجل لوثيقة الدولة العادلة وضغوط متصاعدة لقيام دولة سيدة على أرضها؟ ويرى بعض المتابعين أن التحدي الأساسي أمام الحزب يتمثل في الإقدام على تحول استراتيجي هادئ، ينتقل عبره تدريجياً إلى موقع القوة السياسية اللبنانية الخالصة، مستنداً في شرعيته إلى رصيده الشعبي وتجربته التاريخية أكثر مما يستند إلى سلاحه.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا