آخر الأخبار

لبنان يثبّت موقعه في قمة الدوحة: سيادة تحت النار وإجماع بلا أوهام

شارك
في لحظة إقليمية بالغة الحساسية،حيث تتداخل التصعيدات الميدانية بالرهانات السياسية، التأمت القمة العربية‑ الإسلامية الطارئة في الدوحة على خلفية الاستهداف الإسرائيلي غير المسبوق للأراضي القطرية، بالتوازي مع استمرار العدوان على غزة والضفة والاعتداءات على لبنان ، وذلك في محاولة لإعادة بناء توازن عربي‑إسلامي يرد على الانتهاكات الإسرائيلية ، ويُعيد الاعتبار للعمل العربي المشترك.

في هذا المشهد، جاء حضور لبنان، عبر رئيس الجمهورية جوزاف عون، بمثابة مشاركة سياسية رمزية وموقف مبدئي في آن واحد، حيث اختار لبنان الرسمي أن يوجّه رسالة مزدوجة: تأكيد انتمائه للمنظومة العربية‑الإسلامية الرافضة للعدوان، وتثبيت حضوره كدولة لا تزال تسعى إلى السلام العادل، وترفض المساس بالسيادة، سواء كانت سيادتها أو سيادة أي "شقيق عربي"، كما قال الرئيس عون في كلمته أمام القمّة.

في خضمّ ذلك، تُطرح إشكالية مركزية: هل تكفي هذه المشاركة، بكل توازنها ووضوحها، لتمنح لبنان موقعًا عمليًا في أي مسعى جماعي مقبل؟ وهل يمكن للبنان أن يُحوّل الموقف الرمزي في قمة الدوحة إلى رافعة سياسية‑دبلوماسية تتيح له تحصيل دعم فعلي، أم أن ما قيل سيُضاف إلى أرشيف الخطب والبيانات؟ وقبل هذا وذاك، هل تحرّك القمم العربية ساكنًا، في وقتٍ تسعى إسرائيل للهيمنة على المنطقة بأسرها، بلا احترام لأي خطوط حمراء؟

خطاب سيادي واضح

في كلمته أمام القمة، حرص رئيس الجمهورية جوزاف عون على استخدام خطاب سيادي واضح، بدأه بتشديده أن "أي اعتداء على الشقيق هو اعتداء مباشر على لبنان"، رابطًا ما حدث في قطر بما يهدد كل دول المنطقة، بما فيها لبنان، الذي لا يزال يتعرض للعدوان رغم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في تشرين الثاني الماضي، والذي تصرّ إسرائيل على انتهاكه بوتيرة يومية، من دون أي حسيب أو رقيب.

من هنا، يقول العارفون إنّ كلمة الرئيس جوزاف عون في القمة العربية‑الإسلامية الطارئة جاءت لتُعبّر بوضوح عن موقف لبناني متّزن، متماسك، ومتضامن بعمق مع قطر وسائر الدول المستهدفة من الاعتداءات الإسرائيلية. ولعلّ ما تميّز به الموقف اللبناني في الدوحة، وفق هؤلاء، أنه لم يسعَ إلى تحويل المناسبة إلى مساحة لطرح أجندات وطنية، ولا لاستدرار الدعم أو تدويل الملفات الداخلية، بل التزم بروح القمة، التي ركّزت على العدوان الإسرائيلي على قطر وفلسطين.

واستنادًا إلى ما تقدّم، يمكن القول إنّ هذه المشاركة اللبنانية بدت منسجمة تمامًا مع مناخ القمة: لا خروج عن السقف الجماعي، ولا تفرّد بالموقف، بل تأكيد على وحدة الصفّ العربي‑الإسلامي في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، وهو ما يدرك لبنان أنه يصبّ في مصلحته، في هذه المرحلة تحديدًا، لمواجهة التهديدات الإسرائيلية التي لا تتوقف، ولكن أيضًا الضغوط الداخلية والخارجية، التي يخشى كثيرون أن تنزلق بالبلاد إلى المجهول.

صرامة خطابية

إلى جانب الأهمية "الرمزية" للحضور اللبناني، يرى العارفون أنّ قمة قطر تكتسب أهميتها المضاعفة عن القمم العربية العادية، نظرًا لما اتسمت به من لغة واضحة وصريحة في توصيف الحدث، حيث اعتبر البيان الختامي أن "العدوان الإسرائيلي على قطر يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة "، ويقوّض جهود الوساطة الساعية إلى وقف إطلاق النار وإبرام الاتفاقات الإنسانية، وهي جهود تقودها قطر بمشاركة إقليمية ودولية فاعلة.

أكثر من ذلك، فإنّ ما يلفت في البيان أنه لم يكتفِ بالإدانة التقليدية، بل دعا الدول الأعضاء إلى مراجعة علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، واتخاذ كافة التدابير القانونية الممكنة في المحافل الدولية، بما يشمل ملاحقة إسرائيل على جرائمها ضد الفلسطينيين ، والاعتداء على أراضي دول ذات سيادة، لكن يبقى التحدي في ترجمة هذا الخطاب الصارم إلى خطوات تنفيذية، وهو ما يتطلب توافقًا عمليًا يتخطى سقف الإجماع النظري.

مع ذلك، يكتسب هذا البيان أهمية خاصة، كونه صيغ بإجماع عربي‑إسلامي يرى البعض أنه غير مسبوق، من دون تحفظات أو اعتراضات، ولا سيما أنّ القمة عقدت بحضور دول الخليج وإيران مثلاً، ما يعكس حدّة الغضب الجماعي من الخطوة الإسرائيلية تجاه قطر. كما يُعد من المرات النادرة التي يتبنى فيها هذا النوع من القمم دعوات صريحة لاتخاذ إجراءات قانونية وسياسية واقتصادية ضد إسرائيل، خارج نطاق الإدانة أو اللغة الرمزية.

في المحصّلة، يمكن القول إنّ لبنان نجح في قمة الدوحة في تثبيت حضوره ضمن الإجماع العربي‑الإسلامي، وكرّس حضوره كدولة متضامنة ومتمسكة بالسلام على قاعدة العدالة، في وقت تشتدّ فيه التحديات الإقليمية من غزة إلى الدوحة. وقد نجح الخطاب اللبناني الرسمي في التعبير عن هذا التوازن، بتبنّي لغة واضحة ترفض العدوان، وتستعيد مفردات السيادة والموقف العروبي، متجنّبة التسييس أو التوظيف الخطابي، وهنا بيت القصيد!
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا