آخر الأخبار

زيارة لودريان إلى بيروت: حصرية السلاح وثلاثية الدعم تحت اختبار التصعيد

شارك

من جديد، حطّ الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت ، هذه المرة محمّلًا برسائل تتجاوز المجاملة الدبلوماسية إلى رسم ما يصفه كثيرون بـ"خريطة طريق" لدعم لبنان ، عبر ثلاثة مسارات متوازية تتحرّك باريس على خطّها: مؤتمر لدعم الجيش اللبناني ، وآخر لإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي، ومسار استثماري بعنوان "بيروت 1"، وكلّها مسارات يبقى تقدّمها مشروطًا بتقدّم ملموس داخليًا، وباستقرار أمني قابل للصون.

تكمن أهمية الزيارة، وفق كثيرين، في توقيتها؛ فهي تأتي بعد جلسات حكومية بالجملة لم تكرّس مبدأ "حصرية السلاح" فحسب، بل أقرت خطة لسحب السلاح أعدّها الجيش، وإن تفاوتت الآراء بشأنها، خصوصًا لناحية سبل تطبيقها، ما يعني أن باريس، بوصفها ممثلةً عن المجتمع الدولي، اختارت أن تقابل الخطوات الحكومية المتقدّمة بخطوات مقابلة، ولو بقيت حتى إشعار آخر في خانة النوايا، بانتظار إجراءات عملية من الداخل اللبناني أولًا.

بهذا المعنى، تشكّل الزيارة أول اختبار دولي لصدقية المسار الحكومي الجديد، ومدخلًا لتحويل التعهّدات إلى مؤتمرات ممأسسة وموارد فعلية. غير أن التوازي بين المسار السياسي ـ الإصلاحي وبين توسيع الاعتداءات الإسرائيلية جنوبًا وشرقًا يفرض معادلة معاكسة: فهل بات كل تقدّم على خط الإصلاح والدعم الخارجي مهدّدًا بخروق متصاعدة على الحدود وداخل العمق اللبناني؟ وهل تنجح بيروت وباريس في تثبيت قاعدة "الاستقرار أولًا" رغم كل شيء؟

دعم الجيش يتصدّر جدول الزيارة

بالنسبة إلى العارفين، فإنّ عنوان دعم الجيش تصدّر زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان ، وهي ليست الأولى من نوعها، لكنها بما تحمله من رسائل قد تتفوّق على سابقاتها. فالرسالة الفرنسية من خلفها واضحة: الجيش هو "الضامن الأول" للاستقرار الداخلي وثقة المواطنين، ودعمه لوجستيًا وماليًا شرطٌ لازم لتطبيق خطة "حصرية السلاح" وسحب المظاهر المسلحة جنوب الليطاني وصولًا إلى الحدود الدولية.

بالتوازي، يمكن القول إنّ الزيارة تترجم سياسيًا مبدأ "المعاملة بالمثل" وفق معادلة واضحة: إصلاحات مقابل دعم. ويبدو التكامل هنا لافتًا: الحكومة تضع عجلة الهيئات الناظمة على السكة، وتعلن إحالة مشروع "الفجوة المالية" إلى البرلمان خلال شهر. في المقابل، يستعدّ صندوق النقد لإيفاد فريقٍ إلى بيروت، فيما تُحضّر باريس لعقد مؤتمرين، وتدفع مع شركاء عرب ودوليين نحو تعبئة موارد للإعمار والاستثمار، شرط استمرار الاندفاعة الإصلاحية بلا تردّد.

وبين الإصلاحات ودعم الجيش والإعمار، تبقى الدلالات الأمنية في المقدّمة. فقد سمع لودريان ممّن التقاهم أن الضغط على إسرائيل لوقف الاعتداءات والانسحاب من النقاط المحتلة وتثبيت وقف الأعمال العدائية، يُعدّ شرطًا مساعدًا لاستكمال خطة الجيش، علمًا أن الزيارة تزامنت مع توسّع ملحوظ في وتيرة القصف الإسرائيلي الذي شمل مناطق عدّة في جنوب لبنان وكذلك في البقاع ، فضلاً عن زيارة "استفزازية" للناطق باسم جيش الاحتلال في الجنوب.

مساعي الحكومة في مواجهة التصعيد الإسرائيلي

على الضفّة الحكومية، يتحرّك مسار "المطلوب دوليًا"، إن صحّ التعبير، في إشارة إلى الإصلاحات التي ينشدها المجتمع الدولي، بخطوات متتالية: تعيينات الهيئات الناظمة للكهرباء والاتصالات، وترخيص مزوّد إنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، والتعهّد بإحالة "الفجوة المالية"، والعمل نحو اتفاق مع صندوق النقد. وهذه القرارات تسدّ فجوات مزمنة عطّلت الإنتاجية وأضعفت ثقة المانحين، وتوفّر للحكومة "حجّة مقنعة" في أي مؤتمر دعم.

لكن في خطٍ موازٍ، تعتمد إسرائيل سياسة "الضغط العسكري المتزامن"، فتوسّع الاستهداف من الجنوب إلى البقاع، وتضرب بنى تحتية تزعم أنها لـ" حزب الله "، وتطال منشآت مدنية كمنشأة تابعة لمدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة في عيتا الشعب. ولا شكّ أنّ هذا التوسّع، بما يحمله من دلالات، يرفع كلفة أي مسار اقتصادي قيد البناء، ويضع الخطة الأمنية أمام اختبارٍ مزدوج: حماية الحدود ومنع الفراغ في العمق.

وعليه، تتقدّم الدبلوماسية اللبنانية بطلبٍ صريح لفرنسا وشركائها: ممارسة ضغط فعلي لوقف الاعتداءات والالتزام بالقرار 1701 وبالإعلان الأخير لوقف الأعمال العدائية، لأن نجاح مسارات "دعم الجيش ـ الإعمار ـ الاستثمار" مشروطٌ ببيئة أمنيّة مستقرة. من دون ذلك، سيبقى أي "إجماع" داخلي على حصرية السلاح والإصلاحات عرضةً للابتزاز بالنار، ولن تتبلور ثمار المؤتمرات إلا على الورق.

تُفتَح بزيارة لودريان نافذة توازن دقيقة: باريس تطرح ثلاثية الدعم (جيش ـ إعمار ـ استثمار) كرافعةٍ متزامنة لمساري الأمن والاقتصاد، والحكومة تضع على الطاولة إشارات جدّية: خطة "حصر السلاح"، تعيينات هيئاتٍ ناظمة، مسار تشريعي مالي، واستعداد للتعاون مع صندوق النقد. لكن كل ذلك يظلّ ناقصًا ما دام الضغط العسكري الإسرائيلي متواصلًا بل متكثّفًا يومًا بعد آخر. ويبقى السؤال: هل يُترجَم المسار السياسي إلى مواعيد ملزمة وتمويل فعلي وتثبيتٍ ميداني يَحُول دون تبديد الفرصة؟
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا