عندما قرّر رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، بعلم الرئيس الأميركي أو من دون علمه، توجيه ضربة لقادة حركة "
حماس " في الدوحة، كان يعلم أن القيامة ستقوم ولن تقعد. وهذه المعرفة مستقاة أساسًا من
العلم اليقين بمدى موقع قطر على الخارطة الإقليمية كساعية دائمة إلى التهدئة ومعالجة الأمور بحكمة وتعقّل ومن دون تهور وانفعالات في غير محلها، وهي التي تقوم بدور الوسيط لإيجاد المخارج اللائقة لموضوع تبادل الأسرى والسير قدمًا بحّل الدولتين عملًا بمقررات القمة العربية في
بيروت .
فهذا الاعتداء كان محّل إدانة واسعة من كل
الدول العربية قاطبة ومن دول العالم، التي اعتبرت أن
إسرائيل قد تجاوزت بهذا الاعتداء كل الخطوط الحمر، وضربت بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية، غير آبهة بما سيكون عليه شكل ردود الفعل، التي تعتبرها
تل أبيب مجرد "كلام بكلام".
أمّا بالنسبة إلى
لبنان فإن قطر تمثّل تلك الدولة الشقيقة، التي لم تتوان عن الوقوف إلى جانبه في كل أزماته السياسية والاقتصادية، خصوصًا ما قدّمته للجيش من مساعدات عينية، ولا تزال تقدّمه. وقد تكون كلمة "شكرًا قطر" خير دليل على ما بذلته هذه الدولة الشقيقة من تقديمات على أثر العدوان
الإسرائيلي في حرب
تموز .
أمّا ماذا يعني بالسياسة هذا الاعتداء على دولة عربية ذات سيادة مطلقة لم تعتدِ يومًا على أحد، بل اعتدي عليها من أكثر من جهة، وبالأخص خلال الحصار الذي فُرض عليها في مرحلة من مراحل "خلاف الأخوة"، وماذا يمكن أن يُستنتج من هذا الاعتداء على المستوى اللبناني، الذي قد يكون معنيًا بهذا الاعتداء أكثر من غيره، أقّله بالنسبة إلى ما يمكن أن يتركه من آثار سلبية على وضعية لبنان الداخلية، وهي في الأساس هشّة وعرضة لأي انتكاسة أو خضّة؟
اولًا، يأتي هذا الاعتداء في توقيت مفصلي بالنسبة إلى لبنان، الذي بدأ يستعيد عافيته شيئًا فشيئًا بعد موافقة
مجلس الوزراء على خطة الجيش بالنسبة إلى حصرية السلاح بأيدي القوى
اللبنانية الشرعية، خصوصًا أن المعلومات الواردة من منطقة عمليات قوات الطوارئ الدولية الواقعة جنوب نهر الليطاني تفيد بأن الجيش ماضٍ في تنفيذ خطّته كما هي مرسومة بالتمام والكمال.
إلا أن هذا الاعتداء، الذي يمكن أن نطلق عليه أكثر من صفة تختصر كلمة غدر، قد يؤخّر عمل الجيش في المرحلة الأولى من خطّته العسكرية، وذلك استنادًا إلى الموقف السياسي، الذي يمكن أن يلجأ إليه "
حزب الله " بعدما كان تجاوبه على الأرض بالنسبة إلى تنفيذ الخطة قد تخطّى النسب، التي كانت مقدّرة مسبقًا.
ثانيًا، قد يلاقي "حزب الله" بهذا الاعتداء "شحمة على فطيرة" لكي يفرمل أي خطوة كان من الممكن أن يلجأ إليها في تجاوبه مع رغبة "الأخ الأكبر" بعدم عرقلة خطّة الجيش. إلاّ أن هذا الاعتداء قد جاء ليعطي "الحزب" المزيد من الحجج لعدم تسليمه سلاحه، وهو الذي كان يقول بأنه لا يأمن جانب إسرائيل القائمة على الغدر وانتهاك الحرمات والمواثيق والقوانين الدولية.
ثالثًا، قد يكون هذا الاعتداء بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية، التي رهنت مدى نجاح تنفيذ خطة الجيش والالتزام بمبادئ الورقة الأميركية بموافقة كل من إسرائيل وسوريا، جرس انذار مبكر بان تل أبيب لن تسير بأي ورقة أو بأي خطّة إلاّ من ضمن شروطها، التي هي في العادة تعجيزية وغير منطقية.
رابعًا، قياسًا إلى هذا الاعتداء من حيث حجمه السياسي يمكن التأسيس على قاعدة ثابتة، وهي أن إسرائيل تعتبر أن لا مكان في أي بقعة جغرافية على خارطة المنطقة خارجة عن قدراتها الجوية والمخابراتية، وهي على قدر عال من الوقاحة لكي تجرؤ على تحدّي الإرادة الدولية. وهذا دليل آخر على أن تل أبيب لن توقف اعتداءاتها المتواصلة على لبنان، وهي مصمّمة على إبقاء احتلالها للتلال الخمس أو التسع قائمًا ما لا تضمن بأن السلطة في لبنان قادرة على أن تلتزم بما ورد في خطّة الجيش، وبالتالي ما لا تضمن بأن شمالها لم يعد مهدّدًا من قِبل "حزب الله" أو أي فصيل آخر مسلح.
بهذه المشهية تُطوى صفحة لتُفتح أخرى.