ماذا قصد
نائب رئيس الحكومة طارق مترى عندما قال في آخر تصريح له بأن "ورقة برّاك قد سقطت"، وهل يعني هذا السقوط إلغاء مفاعيل كل البنود الواردة في هذه الورقة، وبالأخص البنود التي لها علاقة بما قرّرته الحكومة في جلسة الخامس من آب؟
فإذا أراد كل واحد منّا تشريح البنود الاحد عشر الواردة في الورقة الأميركية، والتي سبق للحكومة أن وافقت على مبادئها في جلسة السابع من آب، أي بعد يومين فقط من قرار تكليف الجيش وضع خطة متكاملة لموضوع حصرية السلاح بيد القوى
اللبنانية الشرعية، فلا بد له من أن يكتشف بأن كلام متري عن سقوط هذه الورقة بكامل بنودها هو نوع من الهروب إلى الامام، أو بالأحرى موقف متسرّع من قِبل الحكومة للتنصل مما سبق لها أن التزمت به. وما قاله متري ليس من عندياته، بل هو موقف غير معلن لرئيس الحكومة، الذي وجد نفسه "حجرًا بين شاقوفين"، خصوصًا أنه أطلق مواقف غير قادر على تنفيذها على أرض الواقع تمامًا كالذي يكبّر حجره فلا يستطيع أن يقذفه إلى أبعد من مستوى محيط رجليه.
فخطأ رئيس الحكومة أنه "فشخ" فشخة كبيرة قبل أن يدرس بدقّة وعناية وضعية الأرض التي وطأتها قدماه. وهذه "الفشخة" غير المحسوبة النتائج قادته أولًا إلى الخضوع للضغوطات، التي مورست عليه، والتي أدّت إلى إرجاء انعقاد جلسة
مجلس الوزراء من الثلاثاء إلى يوم الجمعة؛ وفي هذه الخطوة تراجع خطوات إلى الوراء، خصوصًا أن هذا الارجاء جاء متزامنًا مع موقف الوزير متري، الذي فاجأ الجميع، وفي مقدمهم
الأميركيين ، الذين لم يخفوا انزعاجهم من هذا التصريح، الذي ينسف، بحسب أوساط ديبلوماسية غربية، كل الجهود التي بذلتها
الولايات المتحدة الأميركية من أجل دعم الحكومة اللبنانية في الخطوات التي تمكنها من استعادة سلطتها المفقودة. وأول هذه الخطوات خطوة حصرية السلاح بيد الدولة، أي استلام سلاح "
حزب الله " وأي سلاح آخر غير شرعي.
وهذا "الانزعاج" الأميركي قد يُترجم بسحب
واشنطن يدها من الملف اللبناني، خصوصًا أن توم برّاك، الكثير الكلام، سبق له أن قال للمسؤولين الذين التقاهم بأن على
لبنان الاستفادة من آخر فرصة أُعطيت له ليثبت وجوده ولاستعادة هيبته المفقودة، ولكي لا يعود "حيطه واطيًا". فإذا سحبت أميركا، افتراضًا، يدها من لبنان، فهل ستبقى دول الخليج إلى جانبه أم أنها ستنفض يديها أيضًا وتقول للبنانيين "اللهم أني سعيت".
وعلى رغم نفي متري لما قاله عبر "الجديد"، وأنه لم يقصد بكلامه سقوط الورقة الأميركية، بل أنها أصبحت من دون ذي قيمة بعد عودة برّاك من تل أبيب، خصوصًا أنه لم يحمل معه أي جواب يمكن أن يعطي هذه الورقة دفعًا إلى الأمام، وبالتالي يقف حجر عثرة أمام خطوة تنفيذ خطّة الجيش، فإن التعليقات على ما صرّح به نائب رئيس الحكومة اعتبرت أن ما قاله يندرج في سياق "الثرثرة السياسية"، وذلك بالتزامن مع دعوة بعض الأوساط السياسية إلى بحث ما اجتهد به متري، حتى ولو لم يكن هذا الاجتهاد من "عندياته"، على طاولة مجلس الوزراء تحسبًا لأي موقف مشابه في
المستقبل ، والذي يمكن وضعه في إطار ضرب الاجماع الوزاري والاجماع النيابي بالنسبة إلى موضوعي حصر السلاح والورقة الأميركية، إذ بدا أنه يسير في الاتجاه المعاكس لهذا التوجه وتنصلًا من البيان الوزاري.
فماذا يعني سقوط الورقة الأميركية بنظر الوزير متري؟
هل يعني أن "تنفيذ لبنان لوثيقة الوفاق الوطني المعروفة باتفاق الطائف، والدستور اللبناني، وقرارات مجلس الأمن، وفي مقدّمها القرار 1701 لعام 2006، واتخاذ الخطوات الضرورية لبسط سيادته بالكامل على جميع أراضيه، بهدف تعزيز دور المؤسسات الشرعية وتكريس السلطة الحصرية للدولة في اتخاذ قرارات الحرب والسلم وضمان حصر حيازة السلاح بيد الدولة وحدها في جميع أنحاء لبنان"، قد سقط، وأن ما جاء في هذا البند، وهو البند الأول من الورقة الأميركية، لم يعد له وجود؟
وهل انتهى بمفهوم الوزير متري، الهدف الثالث الوارد في هذه الورقة، المتعلق بـ "الإنهاء التدريجي للوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها حزب الله، في الأراضي اللبنانية كافة، جنوبي الليطاني وشماليه، مع تقديم الدعم المناسب للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي"؟
وفيما كان لافتا ان الوزير متري اكد امس انه حر في ارائه ولا يريد ان يستقيل ولا علم له باي مسعى لاقالته، كان لافتا قوله بأن"لا تباين
بيني وبين رئيس الحكومة اطلاقا وما قاله تأكيد لكلامي، فتطبيق الخطة الاميركية يتطلب موافقة اسرائيل"، متابعا "حكومتنا شكّلت لاخراج لبنان من الحفرة العميقة ولا اقول نجحنا لكن نسعى بصعوبة لتنفيذ ما جاء في البيان الوزاري".