في المشهد السياسي اللبناني الراهن، لا تبدو أي من القوى السياسية الأساسية مقتنعة فعليًا بأن الانتخابات النيابية المقبلة ستجري في موعدها الدستوري. على العكس، تتعامل معظم الأطراف مع فكرة أن التأجيل بات السيناريو الأكثر ترجيحًا، إن لم نقل الخيار الوحيد المطروح بجدية على الطاولة. فباستثناء "
حزب الله " الذي يبدي رغبة واضحة في خوض الانتخابات قريبًا، تتقاطع مصالح مختلف القوى الأخرى حول مبدأ التأجيل، وكلّ طرف لاعتبارات وحسابات خاصة به.
"
القوات اللبنانية " على سبيل المثال، تنظر إلى أي استحقاق انتخابي بمنظار التوازنات السياسية المقبلة. هي تدرك أن فرصة تحقيق أكثرية نيابية قد تكون مؤاتية إذا جرت الانتخابات في موعدها، لكن هذه الأكثرية قد تفقد قيمتها إذا لم تتزامن مع انتخابات رئاسية قريبة. فالتأجيل بالنسبة إليها يتيح جعل المجلس النيابي المقبل هو الذي ينتخب الرئيس. لذلك، تبدو القوات ميّالة إلى كسب الوقت، رهانًا على لحظة سياسية يمكن أن تعزز مكاسبها.
"
التيار الوطني الحر "بدوره ليس بعيدًا عن هذا المنطق، لكن من زاوية مختلفة. فالتراجع الشعبي الذي يعيشه "
التيار " منذ فترة يجعله يخشى أن تؤدي أي انتخابات قريبة إلى تقليص كتلته النيابية بشكل كبير، ما يضعف حضوره وتأثيره في الحياة السياسية. لذلك، فإن خيار التأجيل بالنسبة له أشبه بفرصة لإعادة ترتيب صفوفه ومحاولة استعادة شيء من شعبيته قبل خوض المعركة.
أما "
حركة أمل "، فمصلحتها في التأجيل مرتبطة بشكل مباشر بموقع رئيسها
نبيه بري . فبقاء
البرلمان الحالي يعني بقاء
بري رئيسًا للمجلس النيابي لفترة أطول، وهو أمر يتناسب مع رغبة "الحركة" في الحفاظ على هذا الموقع الحساس ضمن النظام السياسي اللبناني. بالتالي، فإن التأجيل يخدم "أمل" من زاوية الحفاظ على التوازنات التقليدية التي اعتادت أن تحكم اللعبة السياسية.
في المقابل، يقف "حزب الله" في موقع مغاير تمامًا. "الحزب" يعتبر أن المناخ الشعبي بعد الحرب الأخيرة يمنحه دفعة قوية يمكن استثمارها في الانتخابات النيابية. فهو يسعى إلى إعادة تثبيت حضوره داخل البرلمان كقوة لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها. ومن هنا، يبدو "الحزب" الطرف الوحيد المستعجل للانتخابات، مدفوعًا برغبته في تحويل التقدم الشعبي الأخير إلى رصيد سياسي مباشر.
يبدو المشهد وكأن الجميع، باستثناء "حزب الله"، يفضّل تجميد اللعبة السياسية على خوضها الآن. الحسابات تتداخل بين هواجس الخسارة، ورهانات الربح المؤجل، والمصالح المرتبطة بمواقع السلطة. ومع ذلك، يبقى قرار التأجيل رهن توافق أوسع يتجاوز الداخل إلى حسابات الخارج، ما يجعل الساحة السياسية مفتوحة على احتمالات كثيرة، لكن عنوانها العريض حتى اللحظة هو أن اجراء الانتخابات في موعدها يبقى احتمالًا ضعيفًا.