آخر الأخبار

لبنان ساحة مفتوحة أمام حركة المندوبين الساميين

شارك
وكأنه مكتوب على لبنان أن يبقى ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات حتى قبل أن يدخل في دوامة الأزمات المتلاحقة والمتتالية نتيجة الحرب التي اندلعت في بدايتها بين الفلسطينيين وفئات مسيحية حاولت أن تقف في وجه ما كان يُخطّط للبنان عبر التوطين الفلسطيني وجعله "وطنًا بديلًا.
ومنذ اندلاع هذه الحرب في العام 1975، تحولت بيروت إلى محطة ثابتة للموفدين العرب والدوليين. وفود تحمل معها خططًا للتسوية أو مبادرات للتهدئة، لكن المشهد ظل يتكرر بوتيرة واحدة قد تكون متشابهة في الظاهر، ولكنها مختلفة من حيث الوقائع والأهداف، إذ أن لكل دولة من هذه الدول، التي حاولت أن يكون لها موطئ قدم في المنطقة، أهدافًا تختلف عن الأهداف، التي كان اللبنانيون يتطلعون إليها. فكان الموفدون يأتون إلى العاصمة التي قسّمتها الحرب إلى "شرقية" و"غربية"، فيعقدون فيها اللقاءات تلو اللقاءات. يسود التفاؤل وتكبر الآمال. ثم يغادر هؤلاء ويبقى لبنان يتخبط في أزماته، مأزوماً، ورهينة التوازنات الداخلية والإقليمية.
وإذا أردنا أن نورد لائحة بأسماء هؤلاء الموفدين الدوليين والعرب، الذين حاولوا أن يقدّموا للبنان صيغ حل مختلفة وربما متناقضة لانتهى بنا الأمر إلى نوع من التأريخ غير المطلوب في هذه المقالة الهادفة إلى إظهار الخلاف بين ما حمله معه هؤلاء الموفدون معهم ومع ما كان اللبنانيون يتطلعون إليه، ولكن كل فئة منهم من زاوية مختلفة.
أمّا ما يمكن سرده وفق تقسيم حركة أهم الموفدين الدوليين والعرب إلى محطات وعلامات فارقة في الحياة السياسية اللبنانية قد تكون مجدية أكثر، وذلك استنادًا إلى بعض المراجع التاريخية، على أن تُترك الاستنتاجات إلى ما يمكن أن يتمظهر من خلال هذه السردية من وقائع وخلاصات، وذلك وفق الترتيب التالي:
أولًا، مرحلة الحرب الأهلية (1976 – 1990)
- دين براون (1976): أول موفد أميركي بعد اندلاع الحرب الأهلية لمحاولة وقف القتال.
- فيليب حبيب (1978–1982): قاد الوساطة خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وأشرف على خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت.
- الأخضر الإبراهيمي (1989): شارك ضمن اللجنة العربية في رعاية اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية.
ثانيًا، مرحلة ما بعد الطائف (1990 – 2005)
- ريتشارد مورفي: مساعد وزير الخارجية الأميركي، لعب أدوارًا في التوازن السوري – اللبناني – الأميركي.
- جان كلود كوسران: موفد فرنسي تحرك في ملفات الأسرى والمفاوضات غير المباشرة مع " حزب الله ".
- تيري رود-لارسن (2004–2007): الموفد الأممي لمتابعة تنفيذ القرار 1559 (انسحاب الجيش السوري وحل الميليشيات).
ثالثًا، مرحلة الاغتيالات والأزمات (2005 – 2018)
- جيفري فيلتمان (2005–2010): من أبرز الوجوه الأميركية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، لعب دورًا مباشرًا في محطات مفصلية.
- عمرو موسى (2008): أمين عام الجامعة العربية، تحرك بعد أحداث 7 أيار.
- حمد بن جاسم آل ثاني (2008): قاد وساطة اتفاق الدوحة الذي أنهى الفراغ الرئاسي وأدى إلى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية.
رابعًا، مرحلة الانهيار المالي والسياسي (2019 – 2025)
- ديفيد ساترفيلد: موفد أميركي في مفاوضات الحدود البحرية مع إسرائيل .
- آموس هوكشتاين (2022–2024): رعى اتفاق الترسيم البحري، ثم وساطات التهدئة على الحدود.
- جان إيف لودريان (2023–2025): الموفد الفرنسي المكلف بمتابعة الأزمة الرئاسية.
- توماس برّاك ومورغان أورتاغوس: موفدان أميركيان خاصان لمتابعة خارطة الطريق الأميركية بشأن سلاح "حزب الله".
أمّا لماذا لم ينجح أي موفد دولي أو عربي في إرساء قواعد ثابتة للحل الممكن والمتاح في لبنان فإن ذلك يحتاج إلى أكثر من مقالة تحليلية، مع العلم أن مهمة كل من فيليب حبيب والأخضر الابراهيمي قد أدتا إلى خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وعلى رأس الخارجين كان أبو عمّار وكل القيادات الفلسطينية. وكذلك أدت مساعي الأخضر الابراهيمي إلى تمهيد الطريق لاتفاق الطائف، مع ما سجّله هوكشتاين من نجاحات على صعيد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
ولكن وعلى رغم كثرة أسماء الموفدين وتنوع المهمات، ظل الوضع في لبنان على حاله للأسباب الآتية:
اولًا، غياب الإرادة الداخلي، إذ طغى الانقسام الطائفي والسياسي وحال دون تنفيذ أي تسوية.
ثانيًا، التجاذبات الإقليمية، التي حوّلت لبنان إلى ساحة نفوذ متشابك بين سوريا وإيران وإسرائيل ودول الخليج.
ثالثًا، وساطات ظرفية، إذ غالبًا ما كانت حلول الموفدين مسكنات آنية لا تعالج جذور الأزمة.
رابعًا، تعارض المصالح الدولية، إذ أن كل موفد كان يمثل"أجندة" دولته أكثر مما يسعى إلى حل لبناني حقيقي.
فمن فيليب حبيب إلى الأخضر الإبراهيمي، ومن جيفري فيلتمان إلى لودريان وهوكشتاين وبرّاك، تعاقبت أسماء وتبدّلت وجوه كثيرة. لكن النتيجة بقيت واحدة، وهي أن أزمة لبنان لن تُحل بموفد يأتي ويغادر، بل بقرار وطني جامع يضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار.
فهل ينجح برّاك حيث فشل الآخرون في إيجاد تسوية عقلانية لملف حصرية السلاح بيد الدولة؟
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا