آخر الأخبار

سنتان من النزوح والانتظار.. المهجرون يعيشون غربة داخل الوطن!

شارك
مرّت سنتان على الحرب الأخيرة على لبنان ، مخلفةً دماراً واسعاً في القرى الجنوبية والحدودية، دافعة بآلاف العائلات إلى النزوح القسري. هذه العائلات التي حملت معها ما استطاعت من متاع، وحملت على أكتافها هموماً أكبر من طاقتها، ما زالت تعيش إلى اليوم بين أوجاع الماضي وانتظار مستقبل مجهول.

النزوح ليس ظاهرة جديدة في لبنان، لكنه أعاد إنتاج المشهد نفسه: غياب الدولة، عجز التعويضات، تضخم أزمات السكن والبطالة، وتحميل الجمعيات والأحزاب عبء ما كان يُفترض أن يكون مسؤولية رسمية. وبينما كان مُتوقّعًا أن يكون النزوح مؤقتاً، يخشى كثيرون أن يتحوّل إلى واقع طويل الأمد.

في الأحياء الشعبية داخل بيروت وضواحيها، كما في القرى القريبة من صيدا وصور، تنتشر العائلات التي نزحت من مناطق المواجهات. بعضهم استأجروا شققاً صغيرة رغم غلاء الإيجارات، فيما لجأ آخرون إلى أقارب أو أقاموا في مراكز إيواء مؤقتة استمرت لفترات طويلة.

حياة معلّقة بين الحرب والتهجير

محمد، صاحب دكان سابقًا يروي معاناته مع التهجير فيقول: "كنت أعيش في بيتي مرتاحًا، لدي عائلتي وعملي الخاص، وكانت أموري مستقرة والحمد لله. لكن فجأة بدأت معركة الإسناد فاضطررت إلى النزوح، تاركًا خلفي كل رأسمالي في عملي، فتدمّر بيتي ودكاني بالكامل".

ويضيف: "اليوم أواجه تحديات كثيرة؛ فأنا مسؤول عن إعالة عائلتين، من دون عمل، فيما المصاريف تزداد باستمرار ولا يوجد أي إنتاج أو دخل ثابت. كان من الطبيعي أن أسجّل طفلتي في المدرسة، لكن ظروفي المادية لا تسمح بذلك".

ويشير إلى تلقّيه بعض المساعدات من جهة حزبية، كتعويض عن الإيواء والأثاث، "لكنني أنتظر من الدولة أن تنظر إلينا بجدّية وتباشر بإعادة الإعمار".

أما علي، مهجّر من قرى الحافة إلى إحدى القرى القريبة من صيدا فيقول: "تغيّرت حياتي كثيرًا بعد النزوح؛ من حيث السكن، والبعد عن الأقارب والأصدقاء، لكنني غير قادر على دفع إيجارات المدينة وضواحيها، إضافةً إلى ظروف التهجير القاسية وكل ما رافقها. التحديات اليومية التي نعيشها كلها معيشية وصعبة، من تأمين مصروف السكن وفاتورة مولد الكهرباء، إلى صعوبة توفير أبسط الاحتياجات. لم نتلقَّ أي نوع من أنواع الدعم لا من الدولة ولا من غيرها، وحتى لا أظلم أحدا وصلتني مرات معدودة مساعدات غذائية وأدوية، نحن فقط ننتظر أن ينظروا في هذا الوضع المأسوي الذي طال أمده".

وأبو حسين، الخمسيني الذي لم يعتد على التهجير بعد فيقول بحرقة: "بيتي مدمّر، وأرضي التي لطالما رويتها بيدي ، الآن جافة. من سنتين عايش بالإيجار ببيروت، وما عندي مدخول ثابت. كل يوم بقول بكرا منرجع، بس بكرا ما عم ييجي”.

هذه الأصوات تعكس صورة شريحة واسعة من المهجّرين الذين لم يجدوا حلولاً حقيقية، ويقتصر يومهم على صراع البقاء وتأجيل أحلام العودة.


اذا فالمشكلات التي يواجهها المهجّرون تتوزع على أكثر من محور، السكن في مقدمتها، فغلاء الإيجارات جعل كثيرين يتنقلون بين أماكن مختلفة، وبعض العائلات تراكمت عليها ديون الإيجار.

ثم يأتي العمل، إذ فقد المزارعون أراضيهم ومحاصيلهم. والشباب عاطلون عن العمل، فيما دخلت النساء سوق العمل للمرة الأولى لتأمين احتياجات العائلة، مثل زينب (إسم مستعار) التي بدأت بإعداد الطعام من المنزل لأولئك الميسورين الذين لا يجدون وقتًا لتحضير الطعام، هي استغلت "نفسها الطيب" وهم اكلوا لقمة منزلية محضرة بكل حب لتأمين مدخول بسيط لعائلتها.

أما التحدي الثالث فهو الخدمات الأساسية، فالكهرباء مقطوعة لساعات طويلة، المياه شحيحة، والرعاية الصحية باهظة. كثيرون يلجأون إلى التقنين في استخدام المياه والكهرباء حتى لا يزيدوا أعباءً فوق أعبائهم.

الدولة: وعود كثيرة لكن متى الفرج؟

منذ توقف الحرب، أعلنت الحكومة عبر الهيئة العليا للإغاثة عن خطط لتعويض المتضررين وإعادة الإعمار. لكن الواقع كان مختلفاً، فلا مساعدات إلى الآن ولا جديد عن إعادة الإعمار.


وفي هذا السياق، كشف مصدر خاص في مجلس الجنوب لـ" لبنان 24 " أن إعادة الإعمار تخضع لحسابات سياسية مباشرة، وتنعكس مباشرة على الوضع الاقتصادي. وأضاف أن لبنان ما زال يعيش أجواء الحرب، حيث يمنع العدو الإسرائيلي عملياً أي خطوة لإعادة الإعمار. حتى عمليات رفع الأنقاض تواجه عراقيل، إذ تتعرض آليات المجلس لضربات متكررة كما حصل في دير سريان وميس الجبل والخيام.

ووفق المصدر، "لا يُسمح إلا بعدد محدود من الجرافات بالعمل في كل بلدة، وبعد الانتهاء من رفع الأنقاض ستبدأ مرحلة إعادة الإعمار”.

في نظر الكثيرين، تحوّل الملف إلى مادة للمزايدات السياسية بدل أن يكون قضية وطنية. المهجّرون يصفون الدولة بأنها غائبة "إلا عبر بيانات إعلامة".

محمد يختصر المشهد: "كل اللي طالبينو الدولة تطلّع فينا شوي وتبلّش بالإعمار. ما بدنا وعود، بدنا فعل".

الجمعيات والمبادرات المدنية


مع غياب الدولة، لعبت الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية دوراً أساسياً في دعم المهجّرين عبر توزيع مساعدات غذائية ودوائية، وتسجيل الأطفال في مدارس قريبة لأماكن النزوح، فضلاً عن مبادرات للدعم النفسي والاجتماعي.

فاطمة، ممرضة في أحد مراكز الهيئة الصحية تقول: "في الأيام الأولى بعد وقف إطلاق النار، توجهنا خصيصًا إلى المهجّرين لنقدّم لهم دعمًا نفسيًا مجانيًا. كما وفّرنا لهم الطبابة والأدوية مجانًا، وهذا بالمناسبة منذ بداية حرب الاسناد، لأن أوضاعهم لم تكن تحتمل أي أعباء إضافية. لكن مع مرور الوقت وعودة معظم النازحين من مراكز الإيواء إلى قراهم أو إلى قرى جنوبية أخرى، توقفت هاتان الخدمتان تدريجيًا، خصوصًا مع تراجع نسبة المهجرين في المنطقة".

وتضيف: "اليوم، ما نقدّمه أصبح محدودًا، فيما الحاجة ما زالت قائمة".

وهذا الواقع يعكس هشاشة الدعم، إذ يعتمد بشكل أساسي على مبادرات ظرفية مرتبطة بالحرب، ما يجعل استمراريتها صعبة في ظل الأزمات الاقتصادية.


الأحزاب والتوزيعات الطارئة

أما الأحزاب، فلعبت دوراً كبيرًا في أيام الحرب، واستمرت بعد وقف النار، لكن لفترة زمنية قصيرة، خصوصاً عبر توزيع المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية. لكن سرعان ما توقفت هذه المبادرات مع خروج النازحين من مراكز الإيواء.

أحد المهجّرين يوضح: "أيام الحرب، كان يصلنا يوميًا معونات من أحزاب أو جمعيات تابعة لها، لكن مع وقف النار وخروجنا من مراكز الإيواء توقفت كل أشكال الدعم".


الجنوب، الذي يشكّل رئة زراعية للبنان، تكبّد خسائر هائلة مع تهجير المزارعين وتدمير الأراضي. كثير من القرى فقدت مصدر رزقها الأساسي، ما انعكس سلباً على الدورة الاقتصادية المحلية.

وسياسياً، تحوّل ملف التعويضات إلى أداة تجاذب بين القوى، بدل أن يكون أولوية وطنية. وتماماً كما في حروب سابقة، يبقى ملف المهجّرين سنوات في أدراج الوزارات، فيما الناس يواجهون مصيرهم وحدهم.

سنتان تقريبًا مرّتا منذ النزوح، ولا تزال آلاف العائلات اللبنانية عالقة بين منازل مدمّرة وبيوت مستأجرة، بين وعود الدولة الغائبة ودعم الجمعيات المتقطع.

قصص المهجّرين تكشف أن الحرب لم تنتهِ بانتهاء المعارك، بل استمرّت في حياتهم اليومية على شكل فقر وضياع وغياب أفق. العودة إلى البيوت المدمّرة ما زالت بعيدة، والمساعدات تتلاشى مع الوقت، فيما الدولة تكتفي بالتصريحات. وبين الانتظار الطويل والعيش القاسي، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يتحوّل النزوح المؤقت إلى واقع دائم يغيّر وجه القرى الجنوبية، أم تنجح إرادة الناس في فرض العودة وإعادة الإعمار؟
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا