بالرغم من الأجواء المشحونة التي يعيشها
لبنان منذ الأسابيع الأخيرة، فإن خلف هذا التصعيد
الظاهر تدور محاولات جدية للحد من التوتر والذهاب نحو تسوية سياسية – أمنية تُبعد البلاد عن سيناريوهات المواجهة المفتوحة.
فالمعادلة ليست محصورة في البيانات النارية أو الاشتباكات السياسية والاعلامية المتفرقة، بل هناك مساعٍ موازية، بعضها معلن وبعضها الآخر يجري في الكواليس، تهدف إلى تثبيت حدّ أدنى من الاستقرار ومنع الانزلاق إلى
صدام شامل.
تقول مصادر مطّلعة إن
واشنطن تبدي في هذه المرحلة حرصًا واضحًا على ملاقاة الخطوة الإيجابية التي قدّمتها السلطة
اللبنانية ، من خلال ممارسة ضغوط على إســرائيل لدفعها إلى التراجع ميدانيًا، خصوصًا في الجنوب، عبر انسحابات محدودة أو تخفيف التوتر.
هذه المقاربة الأميركية، بحسب المصادر، لا تعكس رغبة في تفجير الوضع أو الذهاب نحو مواجهة مباشرة بين الجيش و"
حزب الله "، بل على العكس، هناك تفهّم لمخاطر أي انزلاق أمني واسع قد يفتح المنطقة على احتمالات غير محسوبة.
لكن المشهد لا يخلو من تعقيدات. فإمكانية أن تقدم إســرائيل على توجيه ضربة جديدة للحـزب لا تزال قائمة، خصوصًا في ظل حسابات داخلية إسرائيلية مرتبطة بالحكومة والجيش، إلا أن ذلك لا يعني أن خيار التسوية قد سقط من الحسابات. بالعكس، تبدو التسوية هي الهدف الفعلي للعديد من الأطراف، سواء لاعتبارات دولية تسعى إلى تبريد ساحات التوتر في المنطقة، أو لاعتبارات لبنانية داخلية تدرك أن لا مصلحة في الانجرار إلى حرب شاملة.
ضمن هذا السياق، تشير المعطيات إلى أن هناك حدثين رئيسيين يستحقان المراقبة الدقيقة في المرحلة المقبلة، الأول يتعلق بانخراط الجيش
الإسرائيلي عسكريًا في غزة، حيث من شأن أي تصعيد هناك أن ينعكس مباشرة على
الجبهة اللبنانية. أما الحدث الثاني، فيتصل بتطور الأحداث في الداخل السوري، إذ أن أي تبدلات ميدانية هناك قد تُعيد رسم جزء من موازين القوى الإقليمية وتؤثر بشكل مباشر على الساحة اللبنانية.
تبدو الصورة مركبة بين تصعيد لا يمكن إنكاره، ومحاولات تسوية لا يمكن تجاهلها. وبين هذين الخطين المتوازيين، يتحرك لبنان في مساحة رمادية، بانتظار ما ستؤول إليه الضغوط الأميركية على إســرائيل، وكيف ستتطور ساحتا غزة وسوريا. هذه التطورات مجتمعة ستحدد ما إذا كان لبنان مقبلًا على تهدئة نسبية تفتح باب التسوية، أم على جولة جديدة من التصعيد قد تحمل معها مفاجآت غير متوقعة.