زيارة المبعوث الأميركي توم براك إلى
بيروت التي جاءت بعد قرار
الحكومة اللبنانية الأخير والتصعيد السياسي والإعلامي من جانب
حزب الله ، بدت في الشكل هادئة ومن دون نبرة تهديد مباشرة، لكنها حملت في طياتها رسائل متعددة.
براك لم يوجّه أي انتقاد مباشر ل" حزب الله" أو للبنان، بل على العكس حمّل إســرائيل مسؤولية استكمال الحل، مشددًا على ضرورة أن تقدم
تل أبيب تنازلات بعد القرار اللبناني القاضي بحصر السلاح بيد الدولة.
هذا الموقف بدا مفاجئًا للبعض، خصوصًا أنه لم يتماش مع الصورة التقليدية للضغوط الأميركية.
الأوساط السياسية في بيروت قرأت الزيارة بطريقتين مختلفتين. القراءة الأولى اعتبرت أن
واشنطن تتعامل بواقعية، وأنها لا تريد الذهاب نحو تفجير داخلي أو تقسيم
الجيش اللبناني ، ولا حتى إشعال حرب أهلية جديدة. هذا التقدير يستند إلى أن
الولايات المتحدة قد تكون وصلت إلى قناعة بأن أي هزّة كبيرة في الداخل ستؤدي إلى فوضى تتخطى حدود
لبنان ، وهو ما تحاول إدارة
بايدن تجنبه في المرحلة الراهنة.
في المقابل، برزت قراءة ثانية أكثر تشاؤمًا، رأت أن ما جرى لا يتعدى كونه خداعًا استراتيجيًا للأميركيين، تمهيدًا لخطوة أكثر خطورة قد تتمثل في تصعيد عسكري كبير من جانب إســرائيل.
أصحاب هذا الرأي يشددون على أن تاريخ التعاطي الأميركي في المنطقة مليء بالمناورات، وأن تهدئة براك العلنية قد تكون مجرد غطاء لتحضيرات ميدانية مختلفة.
أما "حزب الله"، فبدا حتى الآن حذرًا في مقاربته للمرحلة. فهو لم يتجه نحو أي تصعيد في الشارع أو في الخطاب السياسي المباشر، وفضّل مراقبة التطورات بانتظار ما ستؤول إليه الأمور.
موقف "الحزب" يتركز على قاعدة واضحة: لن يكون هناك أي تحرك قبل الوصول إلى "
الخط الأحمر "، أي لحظة بدء عملية فعلية لسحب السلاح بالقوة أو توجيه الجيش نحو المنشآت التابعة له. عندها فقط، سيكون الحزب أمام مواجهة مفتوحة، تختلف تمامًا عن إدارة التوتر الحالية.
السؤال الأبرز يبقى ما إذا كان الأميركيون سيسلكون خيار المواجهة المباشرة عبر فرض وقائع عسكرية على الأرض، أم أنهم سيكتفون في هذه المرحلة بنزع الغطاء الرسمي اللبناني عن سلاح الحزب، بما يضعه في موقع الدفاع السياسي والشعبي، من دون الذهاب إلى حرب شاملة.
هكذا، تبقى زيارة توم براك في المنطقة الرمادية بين التهدئة والتهديد، بين الواقعية والمناورة. وهي في كل الأحوال تعكس تعقيد المشهد اللبناني، حيث تتداخل حسابات الداخل مع ضغوط الخارج، وسط قلق متزايد من أن أي خطأ في الحسابات قد يفتح الباب على مرحلة أكثر خطورة مما يعيشه لبنان اليوم.