بدا رئيس الجمهورية
جوزيف عون ، في المقابلة التلفزيونية التي اجراها امس، واضحًا وصريحا، ووجه رسائل حاسمة في ملف السلاح، وهو الملف الأكثر حساسية وخطورة على الساحة
اللبنانية . الرئيس اوحى بوضوح أن مسألة حصر السلاح ليست للتفاوض علما انها لا يمكن فرضها باندفاع أو بعجلة، بل هي مرتبطة بجملة شروط ومعطيات دولية وإقليمية، في مقدمها الموقف من
إسرائيل .
ولعل ربط عون موافقة الدول المعنية لم يكن مجرد موقف سياسي تقليدي، بل أتاح للرئيس أن يجد مدخلًا عمليًا لـ"النزول عن الشجرة"، وهو التعبير الذي استخدمه المراقبون للتعبير عن إمكانية
التراجع عن سقف مرتفع تم تبنيه في جلسات الحكومة السابقة.
أهمية ما قاله الرئيس تكمن في ربطه تنفيذ القرار الصادر عن الحكومة بموافقة الدول المعنية، بما فيها إســرائيل. فهذا يشير بوضوح إلى أن أي تطبيق فعلي لا يمكن أن يتم إلا إذا انسحبت إســرائيل والتزمت بوقف الاعتداءات المستمرة. وبذلك، فإن السقف الذي تم رفعه في النقاشات حول مهلة حصر السلاح يصبح مشروطًا بمتغيرات خارجية، لا قدرة للبنان وحده على ضبطها أو حسمها. هذا الكلام يعني ببساطة
أن الدولة اللبنانية لن تسير في تنفيذ القرار وفق المهل المحددة ما لم تتغير المعادلة الإقليمية.
هذه الإشارة تحمل انعكاسات داخلية بالغة الأهمية. فهي تفتح الباب أمام التهدئة بدل المواجهة، وتتيح إمكانية إطفاء الحريق السياسي والأمني الذي أشعلته قرارات الحكومة. فبدل الذهاب مباشرة إلى التصادم الداخلي، وضع الرئيس شرطًا يجعل الأمور أكثر ضبابية، ويتيح للنقاش السياسي أن يستمر دون الانتقال إلى صدام ميداني مباشر.
لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل رسائل "
حزب الله " الواضحة. "الحزب" أرسل إشارات حاسمة أن أي مبادرة عملية لنزع السلاح ستُواجَه، وأن المسألة ليست موضع مساومة داخلية. هذا يعني أن كل محاولة لتطبيق القرار بشكل منفرد ستقود حتمًا إلى اشتباك ميداني وعسكري، وهو ما قد يجر البلاد إلى مرحلة خطيرة. فالسيناريو الأكثر سوداوية قد يصل إلى حد انفراط عقد الدولة وتفكك انتظامها العام.
في ضوء هذه التطورات، يمكن القول إن كلام رئيس الجمهورية منح
لبنان فسحة لالتقاط الأنفاس. فهو لم يلغِ القرار، لكنه علّقه على شرط مستحيل التحقيق في المدى القريب، ما يجعل الأزمة مؤجلة أكثر مما هي محلولة. وبين إصرار "حزب الله" على مواجهة أي محاولة لنزع السلاح، وربط الرئيس المسألة بعوامل خارجية، يبدو أن لبنان دخل في مرحلة جديدة من المراوحة، قد تكون أقل خطورة على المدى
القصير ، لكنها تحمل في طياتها أزمات أعمق إذا لم يتم التوصل إلى تسوية شاملة.
بهذا المعنى، ما خرج به الرئيس في مقابلته لم يكن مجرد موقف سياسي عابر، بل مدخل استراتيجي يتيح له التنصل من التزامات غير قابلة للتنفيذ، وفي الوقت نفسه يترك الباب مفتوحًا أمام النقاشات،
على أمل أن تُنتج الظروف لاحقًا مخرجًا يجنّب لبنان كارثة الانفجار الداخلي.