آخر الأخبار

الانفجار المؤجَّل: تطويق حزب الله يسرّع لحظة المواجهة

شارك
يتدحرج المشهد اللبناني نحو استحقاق مفصلي مع اقتراب موعد رفع الجيش خطته بشأن سلاح " حزب الله ". فالقرار الذي اتخذته الحكومة تحت ضغط خارجي لم يعد تفصيلاً داخلياً يمكن تجاوزه، بل تحوّل إلى التزام زمني تراقبه العواصم وتضغط لترجمته بخطوات ملموسة. وتفيد مصادر مطلعة أنّ زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك المرتقبة مطلع الأسبوع قد تحمل رسائل شديدة الوضوح، فبعد أن كان قد ألمح في زيارات سابقة إلى أنّ رفض تسليم السلاح قد يجرّ لبنان إلى أتون حرب أهلية تهدد كيانه، يُتوقًّع هذه المرة أن يذهب، الى مطالبة المسؤولين بخطوات عملانية مباشرة في ملف السلاح، وعدم الاكتفاء بقرارات صادرة عن المؤسسات الشرعية من دون تطبيق فعلي. وفي موازاة ذلك، تتحضر مورغان أورتاغوس، وفق المصادر، للعودة إلى بيروت بملف مالي يستهدف "القرض الحسن" ومؤسسات مرتبطة برجال أعمال شيعة، ما يعني أنّ عملية تطويق "الحزب" باتت سياسية وأمنية ومالية في آن واحد.

على خط الداخل، التصعيد بلغ مستويات غير مسبوقة. فالأمين العام "لحزب الله" الشيخ نعيم قاسم، لم يترك مجالاً للتأويل في خطابه الأخير حين حمّل الحكومة مسؤولية انفجار البلد، لافتاً بوضوح الى أنه "إمّا أن يبقى لبنان ونبقى معاً أو على الدنيا السلام". خطاب قاسم، بحسب المصادر، لوّح بأنّ الضغط في ملف السلاح لن يمرّ من دون تداعيات كبرى، وأنّ أي محاولة لتنفيذ قرارات الحكومة في هذا اتجاه صدامي قد تُفهم كدعوة مفتوحة لتفجير الاستقرار الداخلي. في المقابل اعتبر خصوم "الحزب" أنّ هذا الموقف يشكّل تهديداً صريحاً للحكومة والسلم الأهلي، وعاملاً يؤجّج الانقسام ويفتح الباب على مزيد من الاحتقان. وشدّد هذا الفريق في تصريحاته أنّ لا دولة ولا تسوية من دون تسليم السلاح أولًا، وأنّ أي تراجع عن هذا الشرط يعني سقوط الشرعية.

وتشير المصادر إلى أنّ تطويق "حزب الله" هذه المرة يتجاوز الداخل، إذ ثمة حديث متزايد عن ترتيبات على الحدود السورية شملت تسليح العشائر تحضيراً لأي مواجهة مع "الحزب"، في حين يزداد التهديد الإسرائيلي بضربات عسكرية جنوباً. هذه الصورة تعكس، وفق المصادر، محاولة فاقعة لمحاصرة "الحزب" من كل الجهات: اقتصادياً وأمنياً وميدانياً من جهة الجنوب. والأخطر أنّ هذه الخطة تترافق مع ضغوط دولية متواصلة تهدد بأنّ الفشل في تنفيذ قرار "حصر السلاح" سيقود إلى حرب أهلية شاملة.

وترى المصادر نفسها أنّ المواجهة لم تعد احتمالاً نظرياً، بل باتت مساراً تتفاوت أشكاله وحدّته. وفي حال مضت الأمور بالاتجاه نفسه، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

الأول: صدام محدود موضعي. ينطلق من مواجهة محدودة يردّ عليها "الحزب" بسرعة وبشكل محسوب، ليثبت أن المساس بسلاحه خط أحمر، ما قد يؤدي الى توتير يدفع نحو تدخّل وساطات داخلية لتجميد التنفيذ أو إعادة جدولة الخطة بالعودة إلى طاولة الحوار. لكنّ المشكلة أن هذا السيناريو لا يحلّ العقدة، بل يرحّلها إلى جولة لاحقة مع مزيد من التوتر.

السيناريو الثاني يتركّز حول مواجهة متدحرجة، ومن التوقّع أن يكون الأكثر ترجيحاً. فالحكومة، المقيّدة بمهلة وضغط خارجي، تدفع الجيش نحو خطوات ميدانية لا يمكن التراجع عنها، في حين يرفض "الحزب" أي مساس بسلاحه الاستراتيجي. عندها، يبدأ الاشتباك في نطاق محدود، لكن سرعان ما يتوسع إلى محاور متعددة؛ أحياء مختلطة في بيروت، أطراف الضاحية، الجنوب، والبقاع. وهو ما يفتح الباب أمام صدام لا يمكن التكهّن بمساره أو بنتائجه، إذ قد يحمل معه خسائر بشرية ويضع الحكومة أمام كامل تبعات قرارها الذي دفع البلاد إلى هذا المنزلق.

السيناريو الثالث هو الانفجار الشامل، وتصفه المصادر المطلعة بالسيناريو الأخطر، حيث تقوم ترتيبات التطويق الشامل على أكثر من محور متداخل. تبدأ من الاستعدادات على الحدود السورية، حيث يجري تسليح بعض العشائر تحسّباً لانخراطها في أي مواجهة، وتترافق مع احتمال ضربات إسرائيلية مباشرة تستهدف مواقع حساسة. عندها يصبح "الحزب" أمام معركة وجودية، لا مجرّد نزاع سياسي داخلي، ما يدفعه لفتح جبهات متعدّدة، بما في ذلك خيار الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل لإعادة خلط الأوراق.

لكن الأخطر، أنّ هذا المشهد قد يستدعي تدخل أطراف إضافية: فالنظام السوري بقيادة أحمد الشرع قد يجد في الفوضى اللبنانية فرصة لتثبيت أوراقه الإقليمية، سواء عبر دعم مجموعات لبنانية متحالفة معه أو عبر استخدام ورقة العشائر الحدودية. وفي الداخل، قد تتحرك بعض الأحزاب اليمينية التي ترى في المواجهة فرصة لإضعاف "الحزب" سياسياً وأمنياً، فيما تدخل مجموعات مناصرة للشرع على خط التوتر بتحريض مباشر أو عبر تحركات منظمة في البقاع والشمال.

هذا التداخل بين البعدين الداخلي والإقليمي يحوّل الانفجار الشامل إلى مواجهة مفتوحة على احتمالات بالغة الخطورة، من انهيار السلم الأهلي وتفكك مؤسسات الدولة، وصولاً إلى تدخلات خارجية قسرية بذريعة منع الفوضى.

وفي خضم هذه المعطيات، يبرز موقف قائد الجيش رودولف هيكل الذي لا يزال يبدي حذراً بالغاً من أي خطة قد تقود إلى صدام داخلي مباشر يمسّ بالاستقرار. وبحسب ما تسرّب إلى أوساط "الثنائي الشيعي"، أوضح أنّ المؤسسة العسكرية معنية أولًا بالحفاظ على وحدة البلد ومنع انهيار السلم الأهلي، وأن أي انخراط في مواجهة داخلية سيكون كارثياً على الجيش والبلاد معاً. هذا الموقف، وإن ظلّ غير معلن رسمياً، يضيف عنصراً إضافياً من التعقيد، فالجيش مطلوب منه تنفيذ الخطة لكنه في الوقت نفسه يخشى أن يصبح طرفاً في حرب أهلية جديدة.

في موازاة ذلك، يترقب الداخل حديث رئيس الجمهورية مساء اليوم. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يلتقط الرئيس هذا التحذير الأمني فيحاول فرملة الانحدار عبر إعادة فتح النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية كمدخل لتسوية، أم يمضي في خيار المواجهة حتى النهاية بصرف النظر عن تداعياته على السلم الأهلي؟ الواضح أنّ الساحة أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما تسوية سياسية تضع إطاراً مرحلياً لسلاح "الحزب"، أو انزلاق تدريجي نحو مواجهة بأحد أشكالها الثلاثة. ومع ضيق الوقت وارتفاع منسوب الضغوط الخارجية، تبدو احتمالات الصدام أكثر حضوراً من احتمالات التسوية.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا