آخر الأخبار

لاريجاني في بيروت.. زيارة تكرّس التباعد بين إيران ولبنان؟

شارك

على وقع انقسام لبناني عمودي حول ملف حصر السلاح بيد الدولة، بعد جلستي الحكومة اللتين أقرّتا بدء المسار التنفيذي لذلك، وفي ظلّ اعتراضات متزايدة على مواقف إيرانية داعمة لحزب الله ورافضة لقرارات الحكومة، حطّ الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني في بيروت ، في زيارة بدت في ظاهرها بروتوكولية، لكنّها حملت في طياتها رسائل سياسية مزدوجة، في توقيت بالغ الحساسية.

وإذا كانت زيارات المسؤولين الإيرانيين للبنان قد اعتادت على أجواء ودّية وتصريحات داعمة لحلفاء طهران المحليين، فإنّ ما ميّز هذه الزيارة تحديدًا هو الموقف الرسمي الحازم الذي سمعه لاريجاني خصوصًا في قصر بعبدا والسراي الكبير، من قبل كلّ من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، وقوامه تحذير واضح من أي تدخل في الشؤون السيادية اللبنانية .

انطلاقًا من ذلك، وفي ضوء المشهدية التي أفرزتها الزيارة، بين الاستقبال الشعبي للضيف الإيراني على طريق المطار، وما سمعه في المقرّات الرسمية، يطرح سؤال أساسي: هل تكرّس هذه الزيارة مسارًا جديدًا من التباعد بين بيروت وطهران، بدأ يتبلور بوضوح في مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان ، والتي يرى كثيرون أنّها أعادت ترسيم موازين القوى الداخلية والخارجية، فضلاً عن محاور النفوذ في الداخل اللبناني؟

أبعاد الزيارة ورسائلها

ليس خافيًا على أحد أنّ لاريجاني سعى خلال لقاءاته مع مختلف المسؤولين، بمن فيهم عون وسلام، إلى طمأنة الجانب اللبناني بأنّ إيران لا تتدخل في شؤونه الداخلية، ملمّحًا في المقابل إلى أنّ التدخل الفعلي يأتي من الولايات المتحدة ، التي - بحسب وصفه - تمارس ضغوطًا سياسية واقتصادية على لبنان، وهو قد ألمح ذلك بوضوح حين قال إنّه لا يحمل أيّ ورقة معه، في إشارة ضمنية إلى الورقة الأميركية التي حملها السفير توم براك في مرحلة سابقة.

لكن قراءة أوسع لمضامين الزيارة تكشف أن الضيف الإيراني لم يكتفِ برسائل التهدئة، بل حاول إعادة تثبيت موقع طهران على الخريطة اللبنانية، في لحظة تتسم بتحديات داخلية وإقليمية متشابكة. فقرارات الحكومة اللبنانية الأخيرة بحصر السلاح بيد الدولة تضع حزب الله - الحليف الأبرز لإيران - أمام واقع سياسي وأمني جديد، وهو ما يفسّر توقيت الزيارة ودلالاتها. ولعلّ هذا تحديدًا هو ما دفع كثيرين إلى وضع الزيارة في خانة "دعم حزب الله" بالدرجة الأولى.

في مقابل هذه القراءة، ثمّة من اعتبر الزيارة محاولة من طهران لتقليص فجوة الخلاف مع الحكم اللبناني الجديد، لا سيما بعد الحرب وما أفرزته من إعادة رسم لموازين القوى على الساحة الإقليمية. ولعلّ هذا "التكامل" إن صحّ التعبير، برز في خطاب لاريجاني، حين حافظ على صيغة مزدوجة: تأكيد احترام سيادة لبنان كدولة، مقابل التشديد على أنّ دعم "المقاومة" سيبقى ثابتًا في السياسة الإيرانية ، في إشارة لا تخلو من رسائل مباشرة لحلفاء طهران في الداخل اللبناني.

الموقف اللبناني الحازم وتغيّر المشهد الإقليمي

على الضفة الأخرى، جاء الرد اللبناني الرسمي واضحًا وصريحًا على نحو غير مألوف في لقاءات مماثلة. فرئيس الجمهورية جوزاف عون أبلغ لاريجاني أنه "غير مسموح لأحد حمل السلاح أو الاستقواء بالخارج"، وأنّ "الصداقة بين لبنان وإيران يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل بين الدولتين، لا على التبعية أو الرعاية".أما رئيس الحكومة فكان أكثر حزمًا، بقوله إنّ "قرارات الحكومة اللبنانيّة لا يجوز أن تكون موضع نقاشٍ في أيّ دولةٍ أخرى"، موضحًا أنّ مركز القرار اللبنانيّ هو مجلس الوزراء ، وقرار لبنان يصنعه اللبنانيّون وحدهم، الّذين لا يقبلون وصايةً أو إملاءً من أحد

هذا الموقف الحازم لا يمكن عزله عن المناخ الإقليمي الذي أخذ يتبلور بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، والذي دفع عواصم عربية ودولية إلى إعادة ترتيب أولوياتها السياسية والأمنية، وفقًا لموازين القوى الجديدة. وبموجب هذه المعادلة المستجدّة، بدا أنّ هناك إرادة رسمية في بيروت لتثبيت مبدأ حياد الدولة عن محاور الصراع، على الأقل نظريًا، وتكريس احتكارها للسلاح كجزء من مشروع إعادة بناء مؤسساتها.

بهذه المعطيات، تحوّلت زيارة لاريجاني إلى اختبار حقيقي للعلاقة اللبنانية–الإيرانية. فبينما تسعى طهران إلى الحفاظ على نفوذها السياسي في لبنان من خلال حلفائها، يظهر أن القيادة اللبنانية الجديدة تفضّل ترسيخ علاقة قائمة على الاحترام المتبادل، بعيدًا عن التدخل المباشر أو الدعم لطرف داخلي على حساب آخر. وفي حال استمر التباين في المواقف عند هذا المستوى، فقد يكون المشهد مقبلًا على إعادة صياغة لقواعد التواصل بين الطرفين، إما عبر تسويات سياسية ودبلوماسية تراعي أولويات كل جانب، أو من خلال مزيد من التباعد إذا تعذّر التوصل إلى أرضية مشتركة.

هكذا، تخرج زيارة لاريجاني من الإطار البروتوكولي لتصبح محطة سياسية لافتة، تعكس حجم التحوّلات الجارية في المنطقة، وترسم خطوطًا جديدة لمسار العلاقات بين بيروت وطهران في مرحلة ما بعد الحرب. فهل كرّست الزيارة التباعد بين الجانبين، في ضوء المواقف التي قد لا تكون مسبوقة على خطّ العلاقات؟ قد يكون من السابق لأوانه الإجابة على هذا السؤال، إلا أنّ الأكيد أنها عكست مرّة أخرى الانقسام العمودي الآخذ في الاشتداد، إزاء كل الملفات...
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا