في ظل التطورات المتسارعة على الساحة
اللبنانية ، يتضح أن الاشتباك الدائر لم يعد مجرد أزمة داخلية أو صراعا محليا محدودا، بل تحوّل إلى مواجهة ذات أبعاد إقليمية واضحة. فبعد سنوات كانت فيها
إيران تترك "
حزب الله " يواجه القوى الإقليمية والدولية منفردًا على الساحة اللبنانية، تشير المعطيات الحالية إلى أن
طهران باتت تميل للانخراط المباشر في تفاصيل المشهد اللبناني، خصوصًا في ظل الزخم الدولي المتزايد ضد "الحزب".
التصريحات العلنية الصادرة عن كبار المسؤولين الإيرانيين تحمل إشارات واضحة بأن طهران تريد إعادة ترتيب التوازنات في
لبنان بما يخدم مصالحها الاستراتيجية ويؤمّن لها موقعًا متقدّمًا في اللعبة الإقليمية.
الحرب الأخيرة على إســرائيل شكّلت نقطة تحوّل مهمة في هذا السياق. فالمعطيات المتوفرة تفيد بأن إيران نجحت في توجيه ضربات نوعية ومؤلمة لتل أبيب، وهو ما خلق حالة ردع جديدة في المنطقة وأجبر
إسرائيل على حصر أولوياتها العسكرية حاليًا في غزة. هذا التغيير في المعادلة جعل قدرة
تل أبيب على فتح جبهات متعددة محدودة، خاصة في ظل الأوضاع الداخلية الصعبة التي تواجهها.
هذا الواقع عزّز مكانة إيران كفاعل إقليمي رئيسي، حتى من دون الاعتماد الكامل على حلفائها الذين تعرضوا في الفترة الماضية لضربات قاسية. ومع هذا التقدم، يبدو أن طهران ترى في الساحة اللبنانية ساحة مناسبة لتعزيز نفوذها المباشر، او اقله منع تآكل هذا النفوذ ما يعني أن المرحلة المقبلة لن تكون كسابقاتها، بل ستشهد تداخلاً أكبر بين العوامل الداخلية اللبنانية والصراعات الإقليمية.
المرحلة المقبلة مرشحة لأن تشهد كباشًا سياسيًا داخليًا أكثر حدة، لكن هذه المرة تحت سقف مواجهة إقليمية أوسع، حيث تتقاطع مصالح دول كبرى في لبنان بشكل مباشر. هذا التداخل سيصعّب أي محاولة لإيجاد حلول سريعة، لأن أي تسوية ستتطلب توافقات إقليمية معقدة، تتجاوز الإرادة المحلية وحدها.
الانعكاسات المحتملة لهذا الوضع متشعبة. على الصعيد السياسي، ستتصلب المواقف أكثر، وقد تتعطل أي مبادرات للحوار الوطني. اقتصاديًا، سيؤدي استمرار التوتر إلى إضعاف فرص التعافي وجذب الاستثمارات أو المساعدات الخارجية. أما أمنيًا، فخطر التصعيد سيبقى قائمًا، خاصة إذا اختارت القوى الإقليمية استخدام لبنان كساحة لتبادل الرسائل والضغوط.
يدخل لبنان مرحلة حساسة تُرسم خلالها معالم جديدة لتوازنه الداخلي والإقليمي، وسط لعبة أمم لا يملك الداخل اللبناني وحده مفاتيح إدارتها. هذه المرحلة قد تحمل معها فرصًا لإعادة التموضع، لكنها في المقابل قد تفتح الباب أمام تحديات غير مسبوقة قد ترسم وجه البلاد لسنوات طويلة.