قال البطريرك
الماروني الكاردينال
مار بشاره بطرس الراعي ، في قداس
شبيبة الانتشار، في الديمان: "لا تهتمّوا لحياتكم بما تأكلون وبما تلبسون" (متى 6: 25). بهذه الكلمات لا يقصد الربّ يسوع تجاهل ضروريّات الحياة، بل يريد أن يفتح أمامنا أفقًا أوسع: أن لا نجعل همّ الغد يسرق منّا فرح اليوم، وأن لا نُستعبد لقلق الغد، وننسى أنّنا في يد الله. الربّ يسوع في محبّته، لا يعدنا بعالم خالٍ من الصعوبات، لكنّه يعدنا بمرافقة إلهيّة لا تنقطع. يدعونا أن نطلب ملكوت الله وبرّه، لأنّنا لسنا عبيد الخوف بل أبناء الرجاء. وأنتم يا شبيبة الإنتشار، يا أبناء
لبنان الوطن الممزّق في جسده، المشرق بروحه، أنتم شهود هذا الرجاء في العالم، بجذور من وطنكم الأمّ. أنتم مستقبل لبنان ووجهه في العالم، ولا شيء يوازي غنى إيمانكم وكرامة رسالتكم".
وتابع: "يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا في هذه الليتورجيا الإلهيّة. حضوركم معنا اليوم ليس عابرًا، بل هو حضور ينبض رجاء، ويجسّد صلة الوصل بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر. أنتم أبناء هذه الأرض، وإن كنتم تعيشون بعيدًا عنها، وأنتم أبناء الرسالة أينما حللتم. ويطيب لي أن أحيّي المؤسّسة المارونيّة للإنتشار وأكاديميتها، والسيدة روز شويري ريئستها، والسيّدة هيام بستاني أمينها العام، شاكرًا لهما الإهتمام بجمع شبيبة الإنتشار وبالشبيبة اللبنانيّة. يا شبيبة الإنتشار، أنتم صورة لبنان الجميل،
الكريم ، المتجذّر في القيم. أنتم رسل هذا الوطن في العالم، وأنتم رسل العالم إلى الوطن. أنتم تؤكّدون أنّ لبنان ليس وحيدًا، فأنتم باندفاعكم وحضوركم وتفاعلكم، تعيدون إليه شبابه وأمله. وجودكم اليوم يقول: لبنان باقٍ، وشعبه لا يقهر. نحن نحتفل معكم بهذا القدّاس الذي هو سرّ الإتحاد بين الله والإنسان، وسرّ الوحدة بين أبناء الوطن الواحد. يا شبيبة الإنتشار، إن كنتم ولدتم في الإنتشار، أو هاجرتم إليه، فاعلموا أنّكم لم تخرجوا من نعمة لبنان، بل انتم لبنان الخارج من حدوده ليبلغ إلى أقاصي الأرض. انتم صوت لبنان في العالم، وقلبه النابض في الغربة. "لبنان أكثر من بلد. إنّه رسالة"، كما سمّاه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني. ونقول لكم اليوم: أنتم أكثر من منتشرين، أنتم سفراء الرسالة اللبنانيّة. أنتم تحملون القيم، والثقافة، والإيمان، والجذوز، والذاكرة، والتاريخ. أنتم سفراء لبنان بصداقاتهم، وباخلاقكم في أعمالكم، في فنّكم، في علمكم، في شهاداتكم. أنتم الحاضر الذي يصنع
المستقبل ، أنتم الوجه الحقيقي لصورة لبنان أمام العالم. لا تظنوا للحظة أنّكم فقط أولاد الإغتراب، أو أبناء المسافة. أنتم قلب الوطن النابض في العالم، أنتم سفراؤه الحقيقيّون. أنتم تثبتون في بلدان الإنتشار، أنّ اللبنانيّ قادر أن يتألّق، أن ينجح، أن يساهم في بناء المجتمعات، أن يزرع القيم والمبادئ في قلوب الأجيال. أنتم الدليل أنّ لبنان لا يموت، لأنّه متجذّر فيكم".
وأضاف: "سجّلوا قيودكم في سجلّات النفوس اللبنانيّة. لا تكتفوا بالحنين، بل ترجموه إلى وجود قانونيّ ووطنيّ. فالجنسيّة ليست عاطفة فقط، بل انتماء فعليّ، وجذور يجب تثبيتها في الأرض والمؤسّسات. كونوا على تواصل دائم مع لبنان بثقافتكم وزياراتكم ودعمكم. نشكركم أيّها الشباب على مجيئكم وعلى محبّتكم. عودوا إلى بلدانكم مفعمين بالتعزية، وتذكّروا دومًا لبنان كمستقبل نبنيه معًا. لترافقكم النعمة الإلهيّة أينما كنتم، ولتظلّلكم مريم أمّنا بحمايتها، ولتبق أرزات لبنان شاهدة أنّ لبنان سيقوم بشبابه وانتشاره وقدّيسيه".