عندما وافق "
حزب الله " في 27 تشرين الثاني الماضي على البنود التي وردت في اتفاق وقف إطلاق النار بين
لبنان وإسرائيل، والتي تولّى الرئيس
نبيه بري صياغتها من خلال المفاوضات المباشرة مع الجانب الأميركي، لم يسمع اللبنانيون من "حزب الله" وبيئته الكلام ذاته، الذي سمعوه بالأمس عقب تكليف
مجلس الوزراء الجيش بوضع خطّة لموضوع حصر السلاح غير الشرعي في يد القوى الشرعية. فما الذي تغيّر بين الأمس واليوم حتى "تقوم قيامة" جميع الذين يدورون في فلك "الممانعة"، بعدما أعطى
الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم إشارة إطلاق هذه الحملة، التي كانت قد بدأت عبر المسيرات التي جابت شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت وفي بعض المناطق البقاعية.
فما اتخذه مجلس الوزراء من قرار، حتى ولو لم يكن حاسمًا مئة في المئة، لا يختلف عمّا ورد في اتفاق وقف النار من بنود قد يكون من المفيد العودة إلى ما نصّت عليه لجهة حصر السلاح بما "يعكس تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بالكامل، مع الاعتراف بأن هذا القرار يدعو أيضًا إلى التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن السابقة، بما في ذلك "نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان"، بحيث تكون القوات المصرح لها فقط بحمل السلاح في لبنان هي القوات المسلحة
اللبنانية (الجيش اللبناني)، وقوات الأمن الداخلي، ومديرية الأمن العام، والمديرية العامة لأمن الدولة، والجمارك اللبنانية، والشرطة البلدية".
وما ورد في المادة الرابعة من هذا الاتفاق واضحة لجهة أن "هذه الالتزامات لا تمنع أيًا من
إسرائيل أو لبنان من ممارسة حقهما الطبيعي في الدفاع عن النفس، بما يتماشى مع القانون الدولي".
في المادة السابعة للاتفاق تفصيل دقيق لما يتوجب على "القوات العسكرية والأمنية الرسمية للبنان" القيام به لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، بحيث "تمنح حكومة لبنان كل الصلاحيات اللازمة، بما في ذلك حرية الحركة للقوات العسكرية والأمنية الرسمية للبنان، وستوجهها، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 وقراراته السابقة، للقيام بما يلي:
أ- مراقبة ومنع أي دخول غير مصرح به للأسلحة والمعدات ذات الصلة إلى جميع أنحاء لبنان، بما في ذلك جميع المعابر الحدودية، وكذلك منع الإنتاج غير المصرح به للأسلحة والمعدات ذات الصلة داخل لبنان.
ب- بدءًا من منطقة جنوب الليطاني، تفكيك جميع المنشآت غير المصرح بها المتعلقة بإنتاج الأسلحة والمعدات ذات الصلة، ومنع إنشاء مثل هذه المنشآت في
المستقبل .
ج- بدءًا من منطقة جنوب الليطاني، تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها التي تتعارض مع هذه الالتزامات".
فما جاء في هذا الاتفاق مضافة إليه ملحقاته، والتي أطلع عليها جميع المعنيين في لبنان، وبالأخصّ الرئيس بري باعتباره المفاوض المكّلف من "حارة حريك"، يتجاوز بمفاعيله ما صدر عن جلسة مجلس الوزراء أمس الأول، والتي ستستكمل اليوم، من دون أن يُعرف ما سيكون عليه موقف وزراء "الثنائي الشيعي"، لكن المرجّح أن يقاطعوا الجلسة، وذلك في ترجمة عملية لبيان "حزب الله"، الذي أكد أنه سيتصرّف مع هذا القرار على أنه غير موجود، وكذلك بيان حركة "أمل"، الذي دعا الحكومة إلى تصحيح الخطأ في جلسة اليوم.
فتكليف الجيش وضع خطة تنفيذية لآلية تسليم سلاح "حزب الله" هو أمر أقّل من طبيعي في بلد مقبل على تطورات سياسية من غير المسموح له أن يبقى أمنه سائبًا تمامًا كما هي الحال في تعامله مع كل من يسمح لنفسه بأن تكون له مقومات دولة داخل الدولة الواحدة، التي لا يحميها سوى جيشها وقواها العسكرية والأمنية.
ويسأل السائلون عن الأسباب التي دفعت قيادات "حزب الله" إلى اتخاذ مواقف تصعيدية عندما حان موعد التنفيذ الفعلي لحرفية القرار 1701 وما فيه من قرارات دولية سابقة، ومن بينها القرار 1559، الذي يدعو إلى حلّ كل الميليشيات غير المصرّح لها حتى ولو كانت البيانات الوزارية منذ العام 2005 حتى الآن تتضمّن صيغًا مختلفة للمعادلة الثلاثية "شعب وجيش ومقاومة" وحق لبنان في الدفاع عن نفسه، وهذا ما تضمنتّه صراحة المادة الرابعة من اتفاق وقف النار، وما نصّ عليه أيضًا القرار الذي أصدرته الحكومة.
قد يكون من بين أسباب كثيرة لهذه المواقف التصعيدية أن الحرب بين إسرائيل وإيران، وبالتوازي مع
الولايات المتحدة الأميركية، لم تنتهِ فصولها بعد، وأن لـ "حزب الله" أدوارًا مكمّلة مستقبلية انطلاقًا من لبنان، الذي سيستعمل على الأرجح ساحة لتبادل الرسائل النارية بين طهران وتل أبيب وواشنطن.
ولأن طهران لا تزال ترى أن لـ "الحزب" هذا الدور فإن السلاح سيبقى في مكانه وعلى جهوزيته حتى ولو أدّى ذلك إلى تكرار سيناريو 7 أيار على خلفية التلميحات إلى "أوجه الشبه" بين جلسة 5 آب من العام 2025 وجلسة 5 أيار من العام 2008. فما أرد "حزب الله" أن يقوله في بيانه السياسي – الأمني ردّا على قرار الحكومة بتكليف الجيش إعادة خطّة تنفيذية للمّ السلاح غير الشرعي هو الكلام نفسه الذي قاله رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قبل سنوات من الآن ردّا على وثيقة بعبدا حول نأي لبنان بنفسه عن الصراعات الإقليمية: "بلوه واشربوا ميّتو".