آخر الأخبار

هل يتخلّى حلفاء حزب الله عنه في ملفّ السلاح؟

شارك
قبل أيام، استحوذ تصريح النائب طوني فرنجية على اهتمام المراقبين، حين أكّد "الحاجة إلى حصر السلاح بيد الدولة والجيش"، ما يعني ضمنًا الموافقة على سحب سلاح " حزب الله "، رغم موقف الأخير الذي لا يزال معارضًا، فالكلمات التي نطق بها تحمل دلالات لا يمكن فصلها عن السياق السياسي المتبدّل، لا سيّما في مرحلة تُطرَح فيها أكثر من علامة استفهام حول تموضع الحلفاء إزاء الملفات الحساسة، وفي طليعتها ملف سلاح الحزب.

لم يكن فرنجية وحده بين حلفاء الحزب، من دعا إلى تطبيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، في أعقاب الحرب الإسرائيلية التي لم تنتهِ فصولاً على لبنان . فقد سبقه إلى طرح مشابه النائب فيصل كرامي مثلاً، حين قال في تصريح صريح إن موقفه من سلاح "حزب الله" مطابق لرؤية الدولة اللبنانية ، كما ينصّ عليها الدستور، الذي يحدّد الأجهزة الأمنية الرسمية وحدها كجهة مسؤولة عن حمل السلاح.

ولا تبدو هذه المواقف معزولة، أو طارئة، بل لعلّها امتداد لمسار بدأ منذ زمن غير قصير، حين أخذ التباعد يتعمّق بين "حزب الله" وبعض حلفائه التقليديين، وفي مقدّمهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ولو أنّ الشرخ بدأ على خلفية الخلاف حول مقاربات الاستحقاق الرئاسي، لكنّه سرعان ما انسحب على ملفات استراتيجية أخرى، ومنها ما يتعلق بموقع ودور "حزب الله" وسلاحه. فهل بدأ الحلفاء بالتخلّي عن الحزب، أم أنّ ما يحصل هو محاولة إعادة تموضع محسوبة، تضمن لهم الاستمرار في العلاقة معه، من دون الاصطدام بالتحوّلات الإقليمية والدولية؟

التناغم مع الدولة

من يراجع مواقف فرنجية وكرامي وسواهما من الحلفاء، يلاحظ أن المقاربة التي يعتمدونها لا تنطوي على عداء لـ"حزب الله"، ولا على رغبة في كسر التحالف معه، أو مجاراة خصومه، بل على العكس، يسعى هؤلاء إلى تأكيد أنّ ما يطرحونه لا يمثّل خروجًا على الثوابت، بل هو أقرب إلى "تناغم مع المصلحة الوطنية العليا"، وتحديدًا مع مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، الذي أدرِج ضمن البيان الوزاري للحكومة الذي لم يعترض عليه الحزب، بل لم يُبدِ أيّ تحفّظ.

بهذا المعنى، لا يرى هؤلاء أنّهم في موقع الخصومة أو المعارضة للحزب، بل يحاولون الإيحاء بأنّ الحزب نفسه ليس ضدّ حصر السلاح بيد الدولة من حيث المبدأ، وأنه يعتبر سلاحه عنصر دعم للدولة في المرحلة الحالية، لا بديلاً عنها، وإن كان الحزب في خطابه الرسمي يؤكد أنّه يرفض أيّ نقاش بسحب السلاح، بل يعتبر أيّ دعوات تصدر لسحب السلاح "خدمة للمشروع الإسرائيلي " كما قال أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الأسبوع الماضي.

لكنّ هذا الخطاب، رغم ليونته الشكلية، لا يخلو من جرأة سياسية، وفقًا للمتابعين، فهو ينطوي على تحوّل في أولويات الخطاب حتى داخل البيئة الحليفة لـ"حزب الله"، بحيث يتمّ التركيز على "الدولة" و"الجيش" كمرجعية نهائية، في مقابل الصمت عن منطق "الثنائية" الذي قام عليه التفاهم بين "حزب الله" وحلفائه، والذي كان يفترض أن يشكّل السلاح "ركنًا من أركان الاستراتيجية الدفاعية"، لا موضوعًا قابلاً للنقاش العلني.

"حزب الله": تفاهم لا تطابق

في المقابل، يتجنّب "حزب الله" الدخول في سجالات علنية مع حلفائه، أو حتى الردّ على ما يصدر عنهم من مواقف تُفسَّر أحيانًا على أنها "انتقادات مبطنة" له، بل يفضّل في هذه المرحلة تبنّي مقاربة هادئة ومرنة، تقوم على التفهّم لا المجادلة، والانفتاح لا القطيعة، رغم تمسّكه بموقفه المعلن من السلاح، واعتقاده أنّ الدعوات لسحب السلاح، من أيّ جهة أتت، تشكّل انصياعًا للضغوط الأميركية والإسرائيلية.

ويؤكد العارفون بأدبيّات "حزب الله" أنّه لا يضع مواقف حلفائه وخصومه في السياق نفسه، حتى عندما تتقاطع في الشكل. فالحزب يدرك – وفق هذه المصادر – أن الحلفاء ينطلقون من موقع الحريص على الوحدة الوطنية، ومن قراءة واقعية لتحدّيات الدولة ومؤسساتها، من دون أن يُدرَج ذلك في خانة "الانقلاب عليه"، وموقفهم لا يمكن أن يُقرَأ بالطريقة نفسها التي يُقرََأ فيها مثلاً موقف من كان في أحد تصريحاته قبل أيام يشكو "حزب الله" للإسرائيليين.

لكن في الوقت نفسه، لا يخفي "حزب الله" قلقه من التحوّلات الخطابية التي تتكرّس يومًا بعد يوم، سواء من بعض حلفائه المسيحيين، أو حتى من الحلفاء السنّة التقليديين. فالسلاح بالنسبة إلى الحزب لم يكن يومًا خارج النقاش، لكنه بالنسبة إليه ليس مصدر تهديد لسلطة الدولة، بل "نقطة قوة" لها في مواجهة التهديدات القائمة، لا سيما في ظل التوتّر الدائم مع إسرائيل ، والانكشاف الأمني المستمر للجيش.

من المبكر القول إنّ حلفاء "حزب الله"، أو بعضهم على الأقلّ، قرّروا التخلّي عنه، أو انتهاج سياسة جديدة تجاهه، تميل إلى "الاستقواء" عليه في مرحلة قد يكون فيها "في أضعف حالاته". لكن ما هو مؤكّد، أنّ مسار التباعد يتوسّع، حتى وإن لم يُعلَن بشكل رسمي. وربما يعكس هذا التحوّل وعيًا متزايدًا لدى بعض القوى بأنّ توازن القوى الداخلي والخارجي يتبدّل، وبأنّ ما كان يُعتبر "مسلمات" لم يعد كذلك.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا