لا يزال ملف سلاح "
حزب الله " في صدارة المشهد السياسي اللبناني، على وقع الجدل المستمرّ بشأنه داخليًا، والضغوط الدولية المتخذة، التي يبدو أنّها بدأت تأخذ طابعًا أكثر صراحة وأقلّ مواربة، خصوصًا بعد الكلام الواضح للموفد الأميركي توم براك الذي توجّه فيه إلى المسؤولين اللبنانيين بالقول إنّ "الكلمات لا تكفي"، في إشارة إلى أنّ المطلوب خطوات ملموسة تترجم حديثهم المتكرّر عن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة.
وفي حين يرفع الأميركيون السقف إلى حدّ المطالبة بجداول زمنية واضحة لسحب السلاح، مع ربط هذا المسار بإمكانات التمويل، والإعمار، وفتح المسارات الدبلوماسية، لا يزال الإيقاع الذي يتحرّك عبره الداخل اللبناني بطيئًا، مثقلاً بالتباينات، في ظلّ ما يصحّ وصفه بالعجز عن بلورة تصور موحّد، أو الحدّ الأدنى من الموقف المشترك، إزاء طرح حسّاس لهذه الدرجة، خصوصًا بين "حزب الله" وخصومه، ولا سيما من الشركاء في الحكومة.
وفي هذا السياق، يبرز الحديث عن احتمال عقد جلسة حكومية مخصصة لمناقشة ملف السلاح، كمؤشر على اختبار جدّية الدولة في التعامل مع متطلبات المرحلة، لكنه في الوقت ذاته يفتح بابًا على انقسامات عميقة في المقاربة والموقف، ليس فقط من مضمون الطرح، بل من حيث توقيته ودلالاته. فهل تعقد فعلاً جلسة حكومية حول سلاح "حزب الله"، وقد بدأت الاتصالات بشأنها؟ وما موقف الحزب الفعلي من هذا الطرح وغيره؟
مطلب دولي.. ولا توافق
ليست فكرة الجلسة الحكومية وليدة الداخل، بل يُفهم من مجريات التواصل مع الموفد الأميركي توم براك أنها من ضمن الأفكار التي تُطرح كأداة اختبار لجدية
الحكومة اللبنانية ، علمًا أنّ مثل هذه الجلسة لن يكون هدفها اتخاذ قرار فوري بنزع السلاح، بل إطلاق عملية سياسية-دستورية عنوانها "حصر السلاح بيد الدولة"، تطبيقًا لبندٍ واردٍ في البيان الوزاري للحكومة، والذي وافق عليه جميع الوزراء، بما في ذلك أولئك المحسوبين على "
الثنائي
الشيعي ".
لكنّ هذا المطلب الذي يبدو أنّه يزداد إلحاحًا يصطدم بعاملين داخلين أساسيّين، أولهما عدم وجود توافق لبناني حقيقي حول آليات مقاربة ملف السلاح، إذ ثمّة من يرى أنّ لا حاجة لجلسة حكومية للتأكيد على أمر وارد أساسًا في البيان الوزاري، وثمّة من يعتبر أنّ الموقف يجب أن يصدر بصيغة بيان ثلاثي تشارك فيه الرئاسات، بما يجنّب الحكومة المواجهة المباشرة، وثمّة من يدعو إلى تحميل
مجلس الوزراء مسؤولية القرار، باعتباره السلطة التنفيذية التي تمثل الدولة.
أما العامل الثاني، ولعلّه الأهمّ، فهو وجود خشية حقيقية من أن تتحوّل الجلسة الحكومية إلى ساحة تصعيد داخلي، خصوصًا في ظل عدم جهوزية بعض الأطراف للدخول في نقاش صريح حول ملف لا تزال خطوطه الحمراء غير محددة بوضوح داخل التوازنات السياسية، حتى إنّ هناك من يتوجّس أن تكون مثل هذه الجلسة تكرارًا لجلسة الخامس من أيار الشهيرة، التي أعقبتها أحداث السابع من أيار، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه اليوم بصورة أو بأخرى.
ما موقف "حزب الله"؟
على مستوى "حزب الله"، لا يبدو أن الحزب في وارد رفض الجلسة مبدئيًا، لكنه أيضًا ليس في وارد التعامل معها بوصفها مدخلًا لإعادة النظر بسلاحه، علمًا أنّه لا يمانع في
النقاش وفي فتح باب الحوار، داخل الحكومة وخارجها، وفق قاعدة الحفاظ على نقاط قوة
لبنان ، لكنّ ما يرفضه بالمطلق هو أن تكون هذه الجلسة أو غيرها انصياعًا للضغوط الخارجية، فمثل هذا الملف يجب أن يُقارَب برأيه داخليًا فقط، ومن دون أيّ تدخّلات من هنا أو هناك.
لكن، أبعد من الشكل، يتحدّث العارفون بأدبيّات "حزب الله" عن أهمية المضمون، فعقد الجلسة الحكومية لن يغيّر شيئًا في الواقع، حتى لو أكّدت مجدّدًا على مبدأ "حصر السلاح بيد الدولة"، وحتى لو وضعت جدولاً زمنيًا لذلك، إذ إنّ أيّ جدول يصبح لاغيًا طالما أنّ
إسرائيل لم تبادر في هذه المرحلة إلى وقف خروقاتها اليومية والانسحاب من المناطق التي تحتلّها، علمًا أنّ لا مؤشّرات على وجود نيّة إسرائيلية فعليّة لتحقيق شيء من ذلك.
وفي حين يؤكد "حزب الله" أنّ النقاش يُفتَح داخليًا بعد هذه الخطوات
الإسرائيلية ، من دون أن يحدّد سلفًا بما يمكن أن يقبله، ثمّة من يقول إنّ المأزق قائم في كل الحالات فالنسبة إلى الحكومة، فإذا لم تُعقد الجلسة، ستُتهم بعدم التزامها بالتعهدات الدولية، خصوصًا في ظل رسائل دبلوماسية متكررة تتحدث عن "وجوب اتخاذ خطوات ملموسة". وإذا عُقدت، دون توافق واضح، فستُفتح الجبهات من الداخل، وقد يُفجّر الانقسام السياسي ما تبقى من استقرار هشّ في مؤسسة الحكم.
قد تُعقد الجلسة الحكومية تحت عنوان "حصر السلاح بيد الدولة"، لا "نزع سلاح حزب الله"، وقد لا تُعقد. لكن الأكيد أن انعقادها وحده لا يحسم شيئًا، ما لم يكن جزءًا من قرار وطني ناضج، أو أقلّه تسوية لبنانية داخلية تسبق أي مواجهة. أما في ظل غياب ذلك، فستبقى الحكومة في موقع ردّ الفعل، و"حزب الله" في موقع الإمساك بالقرار الحقيقي، داخل معادلة لم تتبدّل بعد، حتى وإن تغيّرت لهجة الخارج.