آخر الأخبار

نواف سلام في باريس: دعم فرنسي ثابت.. بانتظار الإصلاحات؟

شارك
في لحظة محلية وإقليمية لا تحتمل الفراغات ولا التردّدات، على وقع الاستحقاقات الداهمة على الجبهة اللبنانية ، لكن أيضًا الفلسطينية والسورية وغيرهما، حطّ رئيس الحكومة نواف سلام في العاصمة الفرنسية باريس ، حيث اجتمع بالرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، في زيارة خاطفة، لكن غير عابرة، لا في التوقيت ولا في الرسائل ولا في المضامين، وقد عاد منها كما قال، "مطمئنًّا إلى التزام ماكرون بمساعدة لبنان ".

سلام، الخارج من لقاء الإليزيه وهو "مطمئن" إلى ما سمعه من ماكرون، بدا كمن يحمل في جعبته أكثر من مجرد مجاملة ديبلوماسية، إذ إنّ فرنسا ، التي كانت ولا تزال تولي لبنان مكانة خاصة وأهمية استثنائية، أظهرت خلال هذه الزيارة استعدادًا لتثبيت شراكتها مع بيروت ، ولكن في إطار قد يكون مختلفًا.

وبعيدًا من الخطاب التقليدي الذي يرافق اللقاءات الثنائية، يمكن القول إن باريس اختارت مجددًا أن تقول كلمتها في الشأن اللبناني، ولكن على طريقتها هذه المرّة: من دون صخب، ومن دون أوهام، ولكن أيضًا من دون تخلٍ، قد يكون توهّمه البعض مع صعود الدور الأميركي في الآونة الأخيرة على حساب حضور باريس في المشهد اللبناني، فهل كانت الزيارة "مثمرة" بملفاتها واستحقاقاتها "الثقيلة"، وأيّ رسائل وجّهت من خلالها باريس إلى القاصي والداني؟!

الملفات الساخنة على الطاولة

الأكيد، وفق ما يقول العارفون، أنّ الزيارة لم تكن استكشافية ولا ذات طابع عام، ولا سيما أنّ التواصل بين السلطات في لبنان وباريس مستمرّ منذ ما قبل بداية "العهد"، وقد لعبت باريس أساسًا دورًا جوهريًا في الوصول إليه، بل جاءت محمّلة بملفات داهمة، تكتسب أهمية استثنائية، منها الوضع الأمني على الحدود الجنوبية وفي الداخل، ولكن أيضًا ملف التجديد لقوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل"، وهو موضوع ينطوي على "حساسيّة" لا يمكن القفز فوقها.

في هذا السياق، يشير العارفون إلى أنّ سلام حمل إلى باريس قلقًا لبنانيًا واضحًا من محاولات تعديل مهمة اليونيفيل، أو حتى إنهائها، كما أشارت تسريبات أميركية إسرائيلية في السابق، وطالب بدعم فرنسي في مجلس الأمن لتجديد الولاية، علمًا أنّ الرهان اللبناني يبدو ثابتًا على باريس لدعم موقفه في هذا الملف، ولا سيما أنّ فرنسا تُعَدّ الدولة الأوروبية الأكثر تأثيرًا في هذا الملف، خصوصًا أنها من أكبر المساهمين في القوة الدولية.

وإلى جانب "اليونيفيل"، شكّل الوضع الأمني في الجنوب بندًا رئيسيًا في اللقاء، وسط تقاطع فرنسي – لبناني على ضرورة الحفاظ على التهدئة، حتى لو كان الدور المباشر في الوساطة تتولاه الولايات المتحدة اليوم، علمًا أنّ فرنسا وإن بدت وكأنها تراجعت خطوات إلى الوراء، إلا أنها لا تزال حاضرة في الكواليس، تحرص على عدم انهيار قواعد الاشتباك القائمة، وتضع ثقلها الديبلوماسي في خدمة أي مبادرة تمنع الانزلاق نحو حرب إقليمية.

باريس حاضرة.. وتنتظر

في الفترة الأخيرة، يكثر الحديث عن انسحاب فرنسي من الملف اللبناني، لصالح واشنطن ، وربما بطلب من الأخيرة، فزيارات الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان انخفض منسوبها فجأة، في مقابل "تكثيف" الموفد الأميركي توم براك لمنسوب زياراته، وهو ما يعزوه البعض إلى عناوين المرحلة، فالليونة التي تمثّلها باريس في التعاطي مع الشأن اللبناني ليست مناسبة للمرحلة، التي تتطلب "حزمًا" يُبديه الأميركيون في ملفّ السلاح وغيره.

هنا، يتوقف العارفون عند "شقّ آخر" برز في الزيارة، قد يكون هو خلف "الانكفاء" الفرنسي المؤقّت، بانتظار نضوج معطياته، وهو الملف الاقتصادي والإصلاحي تحديدًا، علمًا أنّ سلام استعرض أمام الجانب الفرنسي الخطوط العريضة التي وضعتها حكومته لإعادة تشغيل المؤسسات، وعلى رأسها ملف الكهرباء، والإدارة المالية، والحوكمة. وقد عبّر الفرنسيون عن تقديرهم للجهود المبذولة، ولكنهم في الوقت نفسه لم يترددوا في تكرار رسائلهم السابقة: لا مساعدات مالية من دون خطوات إصلاحية ملموسة.

ولعلّ الفرنسيين من خلال هذه الرسالة، يكرّرون الرسالة التي رفعها لودريان نفسه مرارًا، حين توجّه إلى القادة اللبنانيين بالقول: "ساعدوا أنفسكم لنساعدكم"، وهو ما يعني أنّ باريس لا تزال في مرحلة الانتظار، علمًا أنّ مؤتمر الدعم الاقتصادي الذي تحدّث عنه ماكرون في زيارة التهنئة التي قام بها إلى لبنان عقب انتخاب الرئيس جوزاف عون، لا يزال على الأجندة، ولكنه "مشروط" بإتمام الإصلاحات أولاً، وإن كان البعض يربطها بإنجاز الاستحقاق الأمني أيضًا.

في النتيجة، يمكن القول إنّ زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى باريس انتهت برسائل "مشجّعة"، لكن "مع وقف التنفيذ"، فهي أكّدت على "الثوابت" في السياسة الفرنسية إزاء لبنان، الذي لا تزال باريس تعتبره "مفتاحًا" للنفوذ في المنطقة ككلّ، ولكنها أكّدت أيضًا أنّ الكرة لا تزال في ملعب اللبنانيين أنفسهم، الذين يقع على عاتقهم القيام بخطوات عملية على الأرض، حتى لا تبقى الزيارة، كسابقاتها، في إطار النوايا الحسنة فقط..
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا