تحّولت الجلسة النيابية المخصّصة في الأساس لمساءلة الحكومة عن سبب تقصيرها في حسم أمرها لجهة تسريع الخطوات المؤدّية إلى تسلّم سلاح "
حزب الله " أو أي سلاح آخر من أي جهة غير شرعية لم تأتِ مقدمة اتفاق وقف إطلاق النار على ذكرها بالنسبة إلى حصرية السلاح الواردة في خطاب القسم وفي البيان الوزاري، إلى جلسة إعادة خلط الأوراق السياسية على وقع التصريحات ، التي أدلى بها الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك، الذي أغرق
لبنان في بركة موحلة قد يصعب عليه الخروج منها بأقّل أضرار ممكنة .
مع انقضاء الحرب الإسرائيلية-
الإيرانية من دون حسم إستراتيجي، دخلت المنطقة في مرحلة سياسية بالغة التعقيد، تحاول خلالها
الولايات المتحدة فرض خارطة جديدة للأمن الإقليمي، تبدأ من طهران ولا تنتهي في
بيروت .
وعلى خلفية ما يُخطّط للبنان احتدم
النقاش بين النواب، الذين يعتبرون أنفسهم "سياديين، والذين يرون أن إصرار "حزب الله" على الاحتفاظ بسلاحه وعدم تسليمه إلى الدولة هو السبب المباشر لما يمكن أن ينزل على رأس اللبنانيين من مصائب وكوارث، وبين النواب الآخرين المصنّفين في خانة "الممانعين"، الذين صوبوا سهامهم في اتجاه الفريق الآخر "المنصاع للإرادة الأميركية"، ويعتبرون أنه لو لم يقف هؤلاء النواب، أو الجهة السياسية، التي ينتمون إليها، إلى جانب الخيارات
المعارضة للدور المعدّ له سلاح "الحزب"، أقّله في الوقوف في وجه "تسييل" هوية لبنان القائمة على ثوابت عقائدية غير المجزأة الولاءات، باستثناء ما يصب في خانة دعم العمل المقاوم ضد
إسرائيل .
وفيما يتواصل هذا النقاش العقيم بين نقيضين، انصرفت الدوائر المختصة في كل من القصر
الجمهوري و"عين التينة" والسراي الحكومي، إلى التعمّق في دراسة ما جاء في الردّ الأميركي غير الرسمي على الردّ اللبناني الرئاسي الرسمي، وما جاء فيه لجهة تحديد مهلة زمنية لنزع سلاح "حزب الله"، على أن يلي هذه الخطوة تنفيذ بعض الشروط السياسية والأمنية على خلفية التسوية الممكنة والقائمة على مبدأي نزع السلاح خلال خمسة أشهر يقابله انسحاب إسرائيلي متدرج، وإطلاق مسار اقتصادي ومالي مشروط بالإصلاحات المالية والاقتصادية.
ولو أن هذه الشروط لم يرفقها برّاك بـ "فزاعة" احتمال ضم لبنان إلى الدول الإقليمية بما يُعرف بـ "بلاد الشام" لبقي الأمر محصورًا في إطاره التفاوضي الطبيعي، وإن كان ما تطالب به
واشنطن في هذا الظرف الدقيق والمصيري يتخطّى إمكانات لبنان المحدودة في ظلّ انقسام داخلي حول العناوين البارزة الواردة في الردّ الأميركي. وهذا ما تجّلى بأبشع صوره في جلسة المساءلة النيابية. ومن بين هذه العناوين ثلاثة أساسية:
أولًا، سحب سلاح "حزب الله" على قاعدة "خطوة مقابل خطوة"، أي البدء بتسليم السلاح الثقيل مقابل انسحاب إسرائيلي من التلال المحتلة الخمس، ثم تسليم المسيّرات مقابل خطوات أخرى.
ثانيًا، ترسيم الحدود مع
سوريا وإسرائيل، بما يشمل مزارع شبعا المختلف على هويتها، مع ميل واشنطن إلى اعتبارها سورية، ومطالبة بيروت بالاعتراف بذلك في شكل رسمي، وطيّ صفحة المطالبة بها.
ثالثًا، إصلاحات اقتصادية ومالية صارمة، تتضمن إقفال كل فروع "القرض الحسن"، ومحاصرة اقتصاد "الكاش"، الذي يُتهم "حزب الله" بالهيمنة عليه، وتشديد الإجراءات على المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا.
ولأن واشنطن تعرف مسبقًا بأن في هذه النقاط الواردة في الردّ الأميركي على الورقة
اللبنانية لن تلقى الصدى الإيجابي من جانب "حزب الله"، الذي يطالب بضمانات فعلية من شأنها أن تضع إسرائيل عن حدّها، وهي التي لم تلتزم بما جاء في اتفاق وقف النار، فأطلق برّاك قنبلة دخانية، وكأنه أراد أن يقول للبنانيين بأنهم في حال عدم القبول بالشروط الأميركية فأنهم سيواجهون ما هو أسوأ، وهو شطب لبنان عن خارطة سايس – بيكو. وهذا ما قصده الموفد الأميركي عندما تحدّث عن "بلاد الشام".
وبدلًا من أن تكون جلسة المساءلة فرصة حقيقية للملمة ما يمكن لملمته من بقايا إنقاذية لا تزال متاحة، فضّل نواب الأمة نشر غسيلهم الوسخ عبر الأثير، مع ما كشفته مختلف مداخلات عرض العضلات من فجوات جوهرية في التركيبة اللبنانية الواقفة على حافة "المهوار" الأميركي.