آخر الأخبار

القضاء في لبنان: خياران لا ثالث لهما... التحرر أو الفناء

شارك
في بلدٍ تتهاوى فيه البنى الدستورية الواحدة تلو الأخرى، يعيش القضاء لحظة حرجة تهدد جوهر وجوده كسلطة مستقلة. الأزمة لم تعد محصورة ببعض الخلل الإداري أو المالي، بل باتت تطال بنية القضاء نفسه، من استقلاليته القانونية، إلى شرعيته العامة، ودوره كحَكم في دولة المفترض أنها قائمة على القانون.

منذ تعطيل التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت ، بدا واضحًا أن القضاء بات مكشوفًا بالكامل أمام الضغوط السياسية. فالحصانة التي كان يُفترض أن تُمنح للقاضي بوصفه سلطة ثالثة مستقلة، صارت ورقة تفاوض تُستخدم في التوازنات الطائفية والحسابات الفئوية. وتجلى ذلك بأوضح صورة في تجميد التشكيلات القضائية منذ أكثر من ثلاث سنوات، رغم توقيعها من قبل مجلس القضاء الأعلى ، ما أبقى مواقع مركزية شاغرة أو موكلة، وشلّ فاعلية الجسم القضائي على مستوى لبنان . وفي هذا السياق، تتخوف مصادر قضائية عبر " لبنان24 " من استمرار ازمة التشكيلات، وقاربتها مع الازمة في عهد الرئيس السابق ميشال عون ، مشيرة إلى انّه في حال استمر الامر على ما هو عليه، فحلم التغيير الذي حلمنا فيه مع العهد الجديد يتبخر شيئا فشيئا.

وحسب معلومات "لبنان24"، فإنّ هناك ورشة كانت قد بدأت منذ أيام ولا تزال مستمرة، تستهدف ملء الفراغات، وإنجاز ما أمكن من تشكيلات، مع حلحلة واضحة لناحية منصب النائب العام المالي.

التشكيلات لا تكفي
تتعمق أزمة الجسم القضائي، مع أزمة بنيوية على مستوى الهيكل القانوني الناظم للسلطة القضائية. فحتى اللحظة، لا تزال تركيبة مجلس القضاء الأعلى خاضعة للتوازنات السياسية. الجانب الأخطر في الأزمة، هو التآكل البطيء لثقة المواطنين بالقضاء. إذ أظهرت دراسات صادرة عن مؤسسات بحثية لبنانية أن أكثر من 70% من المواطنين يعتقدون أن القرارات القضائية في لبنان تتأثر بالتوجهات السياسية والانتماءات الطائفية. هذا الانطباع، المتعزز بسبب بطء المحاكمات وتناقض الأحكام في ملفات متشابهة، ساهم في ترسيخ صورة قاتمة عن العدالة، وجعل من القضاء سلطة مشكوكًا بصدقيتها بدل أن يكون المرجعية الأخيرة لحماية الحقوق.

في مواجهة هذا الانحدار، ظل قانون استقلال القضاء العدلي معلقًا في مجلس النواب، رغم الضغوط المتواصلة من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية. المشروع الذي وُضع منذ العام 2018 يهدف إلى تحرير القضاء من وصاية السلطة التنفيذية ، عبر إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى بطريقة غير سياسية، وضمان ميزانية مستقلة، وتفعيل آليات الرقابة والمساءلة الداخلية. إلا أن الكتل النيابية، وعلى اختلاف اصطفافاتها، لم تُبدِ أي جدية في طرحه على جدول الأعمال، في انعكاس واضح لرغبتها في إبقاء القضاء تحت السيطرة .

هكذا، يقف القضاء اللبناني اليوم أمام مفترق خطير. فإما أن تُعتمد إصلاحات جذرية تُعيد إليه استقلاله وفاعليته وثقة الناس به، أو أن يُترك ليتآكل بهدوء، ضمن مشهد انهيار تدريجي للدولة ككل. وبغياب هذه السلطة، لا تبقى أي ضمانة حقيقية لحقوق الأفراد، ولا أي أداة لمساءلة من يرتكب التجاوزات، في بلد يزداد فيه الانزلاق نحو الفوضى المؤسساتية يوماً بعد يوم.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا