لم تعد التكهّنات حول ضربة أميركية للمنشآت النووية
الإيرانية مجرّد سيناريو محتمل، بل تحوّلت فجر اليوم إلى واقع يؤكد أنّ المنطقة دخلت مرحلة جديدة من المواجهة. فالضربة التي قادتها
الولايات المتحدة الاميركية طالت مواقع شديدة التحصين في فوردو ونطنز وأصفهان، لتكشف أن قرار الحرب لم يكن مرتبطاً بمهلة زمنية أو بتنسيق علني مع الشركاء، بل بتوقيت مباغت فرضته
واشنطن ، وتحوّلت فيه رسائل الطمأنة السابقة إلى غطاء تكتيكي لخداع سياسي مدروس.
في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية مطّلعة إلى أن الزعيم
وليد جنبلاط سمع خلال لقاءاته مع دبلوماسيين غربيين كلاماً مباشراً عن قرار واشنطن بضرب البرنامج
النووي
الإيراني ، مع التأكيد على وجود مهلة تمتد لأسبوعين قبل تنفيذ الهجوم، وهي مهلة قيل إنها تُمنح لإسرائيل لتنفّذ مهمتها ميدانياً. إلا أن الضربة وقعت فجر اليوم، ما يعني أن
الأميركيين أداروا العملية بسرّية تامة، وفضّلوا عنصر المباغتة على التنسيق، حتى مع حلفائهم، الامر الذي اعتبرته أوساط لبنانية متابعة مؤشراً إلى أن واشنطن لم تكن تُجري مشاورات بقدر ما كانت تُدير تغطية سياسية لهجوم محسوم سلفاً.
وفي السياق ذاته، حمل المبعوث الأميركي توماس باراك إلى
بيروت سلسلة رسائل متقدمة، أبرزها دعمه للحوار بين "
حزب الله " ورئيس الجمهورية جوزاف عون حول ملف السلاح، مع تشديده على أن المهلة الممنوحة لإنجاز هذا الحوار ليست مفتوحة، ما يعكس ضغطاً دولياً متزايداً لفصل
لبنان عن محور
المقاومة ، واحتواء أي تداعيات محتملة في حال اشتعلت جبهات متعددة.
هذا الضغط لم يقتصر على البُعد السياسي، بل شمل أيضاً إعادة فتح ملف ترسيم الحدود. ووفق مصادر مطّلعة، فإن الأميركيين يسعون إلى إعادة ترتيب الأوراق السيادية كمدخل لفرض واقع جديد حيث تدير الدولة
اللبنانية وحدها الملفات الأمنية، بينما يُجرّد "حزب الله" من الذرائع التي يُبرّر بها دوره العسكري.
في المقابل، جاء موقف الحزب متريّثاً من دون تراجع، حيث أكّد أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في وقت سابق أن المقاومة تتابع المشهد عن كثب، من دون أن تكشف عن خياراتها، الامر الذي يعكس توازناً بين الجهوزية السياسية والحسابات الميدانية، بانتظار تبلور حجم التصعيد الإقليمي ووجهته.
لكن من جهة القوى السياسية المناهضة للمقاومة، فقد بدا واضحاً أن التوتر القائم يُستثمر بالكامل لإعادة طرح ملف سلاح "الحزب" كأولوية وطنية. إذ تعتبر هذه القوى أن تدخل طرف مسلّح في حرب إقليمية قد يجرّ لبنان نحو دمار شامل ويُحمّله تبعات لا قدرة له على تحمّلها، ما دفعها إلى الضغط بخطاب يُعيد تصوير "الحزب" كعامل تهديد داخلي، وليس كطرف ردع إقليمي.
وبين هذا التناقض في التوجهات، تقف الدولة اللبنانية أمام اختبار دقيق؛ فمن جهة، مسار دولي ضاغط يسعى إلى انتزاع موقف نهائي من سلاح المقاومة، ومن جهة أخرى، حزب ممسك بخياراته يراقب المعادلة الإقليمية، في حين يتقلّص هامش المناورة الداخلي، ويزداد منسوب الضغط السياسي في لحظة تتجاوز فيها الأحداث قدرة لبنان على النأي بنفسه.
في المحصّلة، لم يعد لبنان في موقع المراقب، بل بات في قلب مشهد إقليمي مفتوح على كل الاحتمالات، والمرحلة المقبلة لن يُحدّدها فقط مسار الطائرات، بل التموضع الحقيقي في بيروت، حيث تنكسر التوازنات أو تُعاد صياغتها على وقع النار.