في ذروة التصعيد العسكري غير المسبوق بين
إيران وإسرائيل، وفي وقت تتزاحم فيه التسريبات والتقديرات حول اتساع نطاق المواجهة، أقدمت
طهران ، وفق ما تناقلته بعض الأوساط الإعلامية، على خطوة لافتة تُعدّ تحوّلاً بنيوياً في مركز اتخاذ القرار. إذ نُسب إلى مصادر إيرانية أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، قد فوّض كامل صلاحياته إلى المجلس الأعلى للحرس الثوري، من دون صدور أي إعلان رسمي من طهران حتى اللحظة.
وفي هذا السياق، ورغم غياب التأكيد العلني، فإن مجرّد تداول هذه المعطيات يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: هل تعمل القيادة
الإيرانية بالفعل على تفعيل "الخطة ب" تحسّباً لأي طارئ؟ وهل يُشكّل هذا التفويض المحتمل جزءًا من منظومة انتقال استباقية، في حال تعرّض المرشد لاغتيال أو لحظة غياب مفاجئ قد تهزّ بنية النظام؟
وفق مصادر دبلوماسية مطّلعة، فإنّه في حال صحّت هذه التسريبات، فإن القرار لا يندرج في إطار تفويض إداري تقليدي، بل يُفهم على أنه تفويض سلطوي شامل، إذ يصبح الحرس الثوري، بموجب هذا الترتيب، قادراً على اتخاذ قرارات حيوية تشمل إدارة الملف
النووي ، وشنّ هجمات عسكرية واسعة النطاق، من دون العودة إلى المرشد أو انتظار غطاء ديني من المؤسسة الفقهية. الأمر الذي يمثّل تغيراً استراتيجياً جوهرياً في بنية الحكم
الإيراني ، ويعكس ميلًا واضحاً نحو عسكرة القرار السياسي في البلاد.
من جهة أخرى، وبحسب المصادر نفسها، يشير توقيت هذا التفويض، إن صحّ، إلى بُعد يتجاوز مجريات المعركة الراهنة، حيث يُرجّح أن تكون المؤسسة الحاكمة في طهران قد بدأت فعلياً في إعداد المسرح لمرحلة ما بعد خامنئي. إذ إنّ الحرس الثوري بات اليوم في موقع يمكّنه من الإمساك المؤقت بمفاصل الدولة، من دون أن تُصاب السلسلة القيادية بخلل أو فراغ، في حال تعرّض المرشد لاغتيال أو وفاة مفاجئة.
بالمقابل، تعزّز هذه الخطوة، سواء ثبُتت رسمياً أو بقيت في إطار التخطيط الاحتياطي، فرضية أن إيران باتت أقرب من أي وقت مضى إلى نموذج الدولة العسكرية المُغلّفة بالدين، حيث لم يعد الحرس الثوري مجرّد جهاز قوة، بل تحوّل إلى مركز ثقل سياسي وتنفيذي، يُمسك بزمام المبادرة داخلياً وخارجياً، ما يرفع منسوب احتمالات التصعيد تجاه
إسرائيل ، أو حتى تجاه دول
الخليج ، خصوصاً في ظلّ التوتر المتصاعد.
وتضيف المصادر أنّ التحرك، إن ثبت، قد يكون أيضاً خطوة استباقية تحت ضغط الزمن، إذ تتقاطع التقارير حول وجود تهديدات أمنية حقيقية تطال المرشد، مع تقديرات داخلية بأن لحظة الانتقال السياسي باتت وشيكة. بالتالي، يُنظر إلى هذا التفويض كمحاولة لمنع أي اختراق أو استغلال من التيارات الإصلاحية أو المعتدلة داخل النظام.
من جهة أخرى، تحمل هذه الخطوة المحتملة رسالة واضحة إلى
الولايات المتحدة وإسرائيل، مفادها أن استهداف خامنئي، سواء باغتيال أو ضربة نوعية، لن يؤدي إلى انهيار النظام، بل سيُسرّع انتقال السلطة إلى أكثر الأجنحة تشدداً وتصلّباً في البلاد.
وفي السياق ذاته، تقول المصادر أن هذا التحوّل يُعيد، في حال تأكد، تعريف طبيعة أي رد عسكري إيراني في المرحلة المقبلة، إذ لن يُفهم كارتجال ظرفي أو ردّ فعل محدود، بل كجزء من سياسة ممنهجة، قد تكون وُضعت مسبقاً في دوائر الحرس الثوري
العليا ، وجرى تأطيرها داخلياً كخطّة جاهزة للتنفيذ.
بالتالي، لن تبقى إيران دولة يُدار قرارها عبر مؤسسات تقليدية، بل تصبح، تدريجياً، دولة ذات طابع عسكري مباشر، تتحكم بها قيادات ترتدي الزيّ الميداني لا العباءات الدينية. وهذا التحول لا يعكس فقط تبدلاً في بنية الحكم، بل يُنذر أيضاً بمرحلة أكثر حدّة وصداماً على مستوى المنطقة.
في المحصّلة، سواء ثبُتت صحّة هذا التفويض أم لا، فإن مجرّد طرحه وتداوله في هذا التوقيت يعكس حالة استنفار قصوى داخل النظام الإيراني، واستعداداً فعلياً لسيناريوهات شديدة الخطورة. وبالتالي فإنّ المنطقة، بكلّ مكوناتها، مدعوة اليوم لقراءة هذا التحول بعناية، لأن ما يجري خلف الكواليس قد يكون تمهيداً لواقع استراتيجي مختلف عنوانه: القرار بيد الحرس، والمواجهة بلا سقف زمني أو سياسي.