بعد أيام على اندلاع الحرب
الإسرائيلية على
إيران ، لا يزال موقف "
حزب الله " يستقطب الاهتمام ويثير الجدل، هو الذي يكتفي حتى الآن بالتضامن اللفظي مع طهران، على الرغم ممّا توصف بالعلاقات العضوية التي تربطه بها، ويلتزم بصورة أو بأخرى بالموقف "الحازم" للدولة
اللبنانية ، الذي يقوم على أنّ البلد "غير معنيّ" بالصراع القائم حاليًا، والذي يرفض أيّ محاولة لزجّه أو توريطه في المعركة، من أيّ جهة أتت.
وحتى الآن، اكتفى "حزب الله" ببيانين رسميّين، الأول أصدره بعيد اندلاع العدوان
الإسرائيلي ، إلى جانب آخر صدر باسم أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، والثاني أصدره باسم العلاقات الإعلامية تنديدًا باستهداف مبنى التلفزيون
الإيراني ، إلى جانب عدد من التصريحات لبعض نوابه ومسؤوليه، لم تخرج عن الإطار العام المرسوم، وإن لوّح بعضهم فيها بالقتال مجدّدًا، وفق قاعدة أنّ الصبر الذي تسلّح به الحزب على مدى الأشهر الماضية، بدأ ينفد.
في مقابل "صمت" الحزب، ونأيه بنفسه عن المعركة، يبدو واضحًا أنّ "صخب" المعركة يرتفع، وهو ما تجلّى في الساعات الماضية من خلال المواقف الأميركية التي أخذت منحى تصاعديًا، فيما كان الإسرائيليون يرفعون النبرة، وصولاً للحديث عن "إسقاط النظام الإيراني"، كنتيجة منطقية للحرب، فماذا لو وصلت الأمور فعلاً إلى هذا الحدّ؟ هل يبقى "حزب الله" على حياده، إن شعر أنّ مصير النظام الإيراني بحدّ ذاته بات موضوعًا على المحكّ؟!
المعركة تتوسّع..
إذا كان الإيرانيون "استوعبوا" برأي البعض، إلى حدّ ما، صدمة الضربة الأولى، التي لم تكن "قاضية" ولا "قاتلة" كما أراد الإسرائيليون، ومعهم الأميركيون، فإنّ الواضح أنّ "قواعد الاشتباك" التي رسموها خلال الأيام الأولى من العدوان، في ظلّ القصف المتبادل الذي كاد يرسي توازنًا نسبيًا، رغم الفجوة الواضحة، أصبحت عرضة للتغيير، خصوصًا في ضوء المواقف التصعيدية للرئيس الأميركي
دونالد ترامب .
فالرئيس
ترامب الذي وصل إلى
البيت الأبيض ، رافضًا للحروب العسكرية، والذي أوحى في اليوم الأول من العدوان بتمسّكه بباب المفاوضات مع إيران، بدأ بتغيير أقواله، إذ لم يعد لديه "المزاج الجيد" للتفاوض، وأصبح مطلبه "استسلامًا غير مشروط" من جانب الإيرانيّين، حتى إنّه انتقل إلى "تهديد" المرشد الأعلى السيد علي خامنئي بصورة أو بأخرى، بوصفه "هدفًا سهلاً"، بعدما كان قد قال في وقت سابق إنّه يرفض اغتياله.
لم يكتفِ ترامب بذلك، بل ذهب أبعد من ذلك، بتبنّيه نظرية "السيطرة على سماء إيران"، بل بتلميحه إلى درس "فكرة" الانخراط المباشر في الحرب، وهو ما يطلبه الإسرائيليون أساسًا منذ اليوم الأول، باعتبار أنّ التعاون بينهما يمكن أن يحقّق "الضربة القاضية"، التي من شأنها إنهاء البرنامج
النووي الإيراني، علمًا أن التسريبات توالت من وسائل إعلام أميركية حول "السيناريوهات المحتملة" لهذا التدخّل، الذي بدا "شبه حتميّ".
ماذا سيفعل "حزب الله"؟
بدخول
الولايات المتحدة إلى ساحة الاشتباك، ثمّة من يخشى أن تتوسّع المعركة أكثر، فالحرب لن تبقى عندها إيرانية-إسرائيلية، ولا إيرانية-إسرائيلية-أميركية، بل هي ستصبح حربًا إقليمية شاملة، وهناك من يخشى أن تتحوّل إلى ما يتجاوز البعد الإقليمي أيضًا، فهل يستمرّ "حزب الله" في هذه الحالة بموقفه "المتفرّج"، باعتبار أنّ إيران قادرة على التصدّي ذاتيًا للمؤامرة، وهل يلتزم بتكتيك الصمت، حتى لو شعر أنّ النظام الإيراني مهدَّد بالسقوط؟
ثمّة هنا أكثر من وجهة نظر، قد لا يكون "حسم" إحداها ممكنًا في الوقت الحالي، تقوم الأولى على أنّ "حزب الله" الذي سبق أن تدخّل في الحرب
السورية من أجل "إنقاذ" نظام بشار
الأسد ، لا يمكن أن يترك النظام الإيراني لمصيره، إذا ما شعر فعلاً بتهديد وجودي ضدّها، وثمّة من يشير إلى "رأي وازن" داخل الحزب بضرورة المبادرة لتوجيه "ضربة استباقية" لإسرائيل هذه المرّة، وعدم تكرار "خطيئة" الحرب الماضية بالجلوس على حافة الانتظار.
ينطلق أصحاب هذا الرأي من أنّ
إسرائيل لن تنهي حروبها في المنطقة، من دون استكمال مهمّة "
القضاء " على "حزب الله"، وبالتالي فإنّ الحزب معنيّ بالدفاع عن نفسه، قبل الدفاع عن إيران، وهي نظرية قد تجد أصداءها الشعبية، لكنّ ذلك يصطدم برأي كثيرين بالرأي الآخر، الذي يقول إنّ دخول "حزب الله" على خط الحرب ضدّ إيران، لن يكون مفيدًا، فالحزب ليس في وضع يسمح له بتغيير المعادلات، وبالتالي فإنّ "إسناد إيران" سيكون أسوأ من "إسناد غزة".
حتى الآن، يؤكد العارفون بأدبيّات "حزب الله" أنّ الموقف المبدئي والاستراتيجي ثابت على الوقوف جانبًا، خلف الدولة اللبنانية، وترك إيران تواجه إسرائيل، وهي قادرة على المواجهة، وليست بحاجة لمن يسندها ويعينها. لكنّ هؤلاء يشددون على أنّ كلّ الاحتمالات تبقى مفتوحة، خصوصًا إذا ما دخلت الولايات المتحدة على الخط، وتحوّل الصراع إلى حرب شاملة، ما من شأنه أن يغيّر كل القواعد والحدود المرسومة، وهنا بيت القصيد!