عتاد
لبنان أن يكون له "في كل عرس قرص" كما يقول المثل، ولو أنّه لا يسري على الأعراس بقدر ما يسري على الكوارث والمصائب، إذ يتأثّر تلقائيًا بأيّ نزاع أو صراع يحصل في محيطه القريب والبعيد، والدلائل على ذلك كثيرة، من الأزمة
السورية التي كانت فاتورتها "ثقيلة" عليه، إلى الحرب على غزة، التي دفع لبنان "الثمن الأكبر" بنتيجتها، ولا يزال يدفع، في ظلّ الاعتداءات
الإسرائيلية اليومية على أراضيه، رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
ومع اندلاع الحرب بين
إيران وإسرائيل، عقب العدوان الذي شنّته الأخيرة على طهران فجر الجمعة، بجولة "افتتاحية" قضت فيها على عدد من قيادات الصف الأول في الجيش والحرس الثوري فضلاً عن العلماء النوويين، اتّجهت الأنظار سريعًا إلى لبنان، وسط تساؤلات تبدو مشروعة نسبة للتجارب التاريخية، حول ما إذا كان قادرًا على البقاء بمنأى عن هذا التوتر الذي يكاد يكون غير مسبوق بحجمه، والذي ينذر بالتحول إلى حرب إقليمية شاملة.
وإذا كانت
العين تحديدًا على "
حزب الله "، الذي يرتبط بعلاقات عضوية مع إيران، والذي لطالما صُنّف على أنّه "أداة إيران التنفيذية" في المنطقة، فإنّ الأخير اكتفى في البيانين اللذين أصدرهما، سواء عن العلاقات الإعلامية فيه أو أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بإدانة العدوان
الإسرائيلي والتعبير عن التضامن مع إيران في المواجهة، فهل يبقى التضامن كلاميًا فقط، علمًا أنّ
إسرائيل سبق أن هدّدت بضرب لبنان في حال تعرّضت لأي هجمات من أراضيه؟!
موقف الدولة "حازم"
على مستوى لبنان الرسمي، كان الموقف واضحًا منذ اللحظة الأولى للعدوان الإسرائيلي على إيران، من حيث الإدانة والاستنكار، وكذلك التحذير من التداعيات على منطقة
الشرق الأوسط ، وهو ما تجلّى مثلاً في البيانين الصادرين عن رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، واللذين تقاطعا على أنّ الهجمات الإسرائيلية ضربت كل الجهود الدوليَّة الرامية إلى حماية الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتفادي التصعيد.
تلا ذلك اجتماع أمني عقد السبت في قصر
بعبدا ، وعرض للتطورات الأمنية الناتجة عن المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل، كما بحث الإجراءات الواجب اتخاذها لمواكبة تداعيات هذه المواجهات على الصعيد الأمني، وخلص إلى اتخاذ "عدد من الإجراءات للمحافظة على الاستقرار في البلاد وتأمين سلامة الطيران المدني والحركة الجوية"، بحسب ما جاء في البيان الرسمي الصادر عن رئاسة الجمهورية.
وعلى الرغم من أنّ التركيز في الاجتماع كان بحسب العارفين على حركة الملاحة الجوية في مطار رفيق
الحريري الدولي، التي تأثّرت كغيرها بالأوضاع الأمنية المستجدّة، يقول العارفون إنّ المجتمعين تداولوا المخاوف من تبعات أكبر على لبنان، خصوصًا في ضوء التهديدات الإسرائيلية، حيث أكّدوا على موقف "حازم" لجهة أنّ لبنان "غير معنيّ" بالتوتر القائم، وهو الذي لم يتخلّص بعد من ويلات الحرب الأخيرة عليه.
ماذا عن موقف "حزب الله"؟
أكثر من ذلك، تشير بعض الأوساط السياسية إلى اتصالات قائمة مع "حزب الله" من أجل ضمان عدم خروجه على الموقف الرسمي، تحت عنوان الدفاع عن الجمهورية الإسلامية في إيران، باعتبار أنّ ذلك لن يوفّر لإسرائيل "ذريعة فحسب" لضرب لبنان، وربما استكمال عملية
القضاء على الحزب، ولكنه سيكون بمثابة "مغامرة" لن تقدّم عمليًا الإسناد لإيران، طالما أنّها أصبحت في قلب المواجهة المباشرة، وتجربة "إسناد غزة" لا تزال ماثلة في الأذهان.
وفي هذا السياق، يؤكّد العارفون أنّ موقف "حزب الله" العملي ليس بعيدًا عن هذه المقاربة، وهو ما فُهِم أساسًا من البيانين اللذين أصدرهما، حيث دافع عن الجمهورية الإسلامية، ووصف الهجمات الإسرائيلية بالتصعيد الخطير، لكنّه اكتفى بالتضامن والتعزية، من دون أن يقرن ذلك بأيّ وعيد، ولو تلميحًا بالانخراط في الأحداث، كما فعل مثلاً في محطّات سابقة حين كان يلوّح بردّ جماعي، وربما موحّد، في سياق ما عُرِف بـ"وحدة الجبهات".
ويشدّد العارفون على أنّ "حزب الله" ليس أساسًا في وارد المشاركة في الهجوم للكثير من الاعتبارات والأسباب، منها ما هو لوجستيّ، ربطًا بالواقع الذي أفرزته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وسط تقارير تؤكد أنّه لم يرمّم قدراته بالكامل بعد، ومنها ما هو سياسي، باعتبار أنّ من سكت على كلّ الخروقات الإسرائيلية منذ أشهر، لا يمكن أن يكسر "صبره" عندما تُضرَب إيران فقط، ومنها ما هو مبدئي، باعتبار أنّ إيران ليست بحاجة لمن يسندها.
حتى الآن، لا مؤشرات توحي بأنّ "حزب الله" في وارد الدخول في الحرب بين إيران وإسرائيل، أقلّه في هذه المرحلة، بعيدًا عن بعض التكهّنات والتحليلات، وبعيدًا عن سؤال "ماذا لو طلبت إيران" الذي يطرحه البعض. لكن، رغم ذلك، الخشية تبقى مشروعة إما من "توريط إسرائيلي" للبنان، وهو ليس مُستبعَدًا بطبيعة الحال، وإما من أن "تكبر كرة الثلج"، فيصبح الشرق الأوسط بأكمله في مهبّ الريح، وهنا الخوف الأكبر!