بات
لبنان على مشارف اعتماد خدمة الإنترنت الفضائي "ستارلينك"، إذ بلغت المشاورات بين
وزارة الاتصالات
اللبنانية والشركة المعنية مرحلة متقدمة، وسط توقعات بإتمام الإجراءات القانونية والإدارية قريبًا. هذه الخطوة قد تشكل دعمًا للشبكات المحلية، خاصة في حالات الطوارئ والانقطاعات الكبيرة، من دون أن تكون بديلًا لها.
إلا أن دخول "ستارلينك" إلى السوق اللبنانية يثير جدلًا واسعًا، حيث أعربت شركات الإنترنت المحلية عن مخاوفها من تأثير الخدمة على حصتها السوقية، مطالبةً بإطار قانوني واضح لتنظيم عملها وضمان تكافؤ الفرص بين الشركات الخاصة و"ستارلينك".
لماذا يسعى لبنان لاعتماد "ستارلينك"؟
في هذا السياق، أوضح الخبير في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم في حديثٍ إلى "
لبنان 24 " أن التوقيع مع "ستارلينك" يُعدّ من أبرز الخطوات التي يمكن أن يقوم بها لبنان، خصوصًا أن البلاد تعاني من رداءة خدمة الإنترنت بسبب اهتراء البنية التحتية لـ"
أوجيرو ". وأشار إلى أن توفر "ستارلينك" في أكثر من 130 دولة، وسهولة الحصول عليها وتركيبها، قد يشجع الشركات الكبرى على إعادة النظر في الاستثمار في لبنان بعد تحسّن خدمات الإنترنت.
ولفت أبي نجم إلى أن "ستارلينك" لا تحتاج إلى بنية تحتية محلية للعمل، إذ تعتمد على الاتصال بالأقمار الاصطناعية مباشرة، ما يتيح إمكانية الاستفادة منها في أي منطقة دون الحاجة إلى تجهيزات إضافية. وبذلك، يمكن للمستخدمين الوصول إلى الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية أو من خلال الهاتف، فيما تتولى الشركة توفير الخدمة بالكامل.
مزايا الإنترنت الفضائي وسرعاته
من الناحية التقنية، توفر "ستارلينك" سرعات تصل إلى 250 ميغابايت في الثانية، بينما تعتمد الشبكات المحلية على الألياف الضوئية بسرعات متفاوتة. كما أن الخدمة قد تشكل حلًا فعالًا للمناطق النائية التي تعاني من ضعف البنية التحتية، في حين تواجه الشبكات المحلية تحديات تتعلق بتوسيع نطاق التغطية بسبب نقص الاستثمارات في القطاع.
ويرى أبي نجم أن دخول "ستارلينك" إلى السوق اللبنانية سيفتح باب المنافسة بين الشركات، مما يتيح للبنانيين فرصة الحصول على إنترنت عالي الجودة وبتكلفة مقبولة بمجرد الانتهاء من الإجراءات القانونية المطلوبة.
التحديات القانونية والمخاوف الأمنية
لكن إدخال "ستارلينك" إلى لبنان يتطلب إجراءات قانونية محددة، إذ يجب أن تحصل الشركة على ترخيص رسمي من الحكومة وفقًا لقانون الاتصالات رقم 431. وينص القانون على أن أي ترخيص جديد لمقدمي خدمات الإنترنت يجب أن يتم عبر مرسوم يصدره
مجلس الوزراء بعد إجراء مزايدة عامة، وفق دفتر شروط تُعدّه الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات.
وفي ظل ذلك، تُناقش إمكانية السماح باستيراد أجهزة "ستارلينك" مؤقتًا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، كجزء من خطة الطوارئ لضمان استمرارية الإنترنت في الأزمات. ومع ذلك، يثير هذا الإجراء مخاوف تتعلق بالتنافسية مع شركات الإنترنت المحلية مثل "أوجيرو"، إضافةً إلى مسائل ترتبط بسيادة
الدولة على بيانات المستخدمين، إذ تربط "ستارلينك" المستخدم مباشرةً بالأقمار الصناعية من دون المرور بالبنية التحتية المحلية.
هل يشكل الإنترنت الفضائي تهديدًا للأمن؟
يرى أبي نجم أن التوجه نحو التعاون مع "ستارلينك" ليس خطوة متسرعة، بل تأخر لبنان في اعتمادها مقارنة بدول أخرى. وأوضح أن البلاد تعتمد حاليًا على بوابة إنترنت واحدة، مما يعرض الاتصال لخطر الانقطاع، خاصة في ظل التهديدات الإقليمية المستمرة. لذا، فإن "ستارلينك" توفر تنوعًا مهمًا في البنية التحتية للاتصالات، مما يعزز
الأمن القومي ويدعم الاقتصاد المحلي.
أما فيما يتعلق بالمخاوف الأمنية المرتبطة بربط المستخدمين مباشرةً بـ"ستارلينك"، فشدّد أبي نجم على أن
الأجهزة الأمنية اللبنانية شاركت في كل مراحل المشروع، وهي المسؤولة عن تقييم المخاطر والتعامل معها. وأشار إلى أن الجهات المختصة تتابع عن كثب تنفيذ المشروع، وقد باشرت "ستارلينك" بالفعل إجراءات التسجيل الرسمي في لبنان بعد موافقة مجلس الوزراء، مع توقعات بحسم الملف خلال الأسابيع المقبلة.
إذا نجحت المفاوضات، قد يكون لبنان أمام فرصة لتعزيز موقعه كمركز إقليمي للاتصالات، مما يفتح آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي والابتكار الرقمي. لكن يبقى السؤال: هل ستتمكن الحكومة من تحقيق التوازن بين الفوائد التقنية والمخاطر المحتملة؟ الإجابة ستتكشف في الأيام المقبلة.