آخر الأخبار

تولية البابا لاوون الرابع عشر: انت الصخرة.. ارع خرافي

شارك
منذ اللحظة الأولى لانتخابه خليفة للقديس بطرس حدّد البابا لاوون الرابع عشر الخطوط العريضة لحبريته، التي بدأت امس بتوليته في قداس تابعه العالم بأسره من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه. فالذين استمعوا إلى ما تضمنته كلمته الحبرية توسموا خيرًا، وذلك نظرًا ما فيها من استشراقات لمستقبل يضج بالتحديات الكبرى في عالم تسيطر عليه الانانية والتعلق بالماديات والخيرات الأرضية، مستوحيًا مسيرته في إدارة شؤون الكنيسة من رؤيا البابا لاوون الثالث عشر عندما هدّده ابليس بتدمير كنيسته فما كان منه إلا أن كتب صلاة للملاك ميخائيل، رئيس الملائكة ، الذي يُّصوّر وهو يدوس رأس الشيطان، وطلب أن تتلى هذه الصلاة في نهاية كل قداس لكي يحفظ الله كنيسته من شرّ الوسواس وحبائله.
فالكنيسة اليوم، التي يقودها البابا الجديد أمام تحدّيات كثيرة، وهي التي تجاهد لكي يبقى الايمان متقدًا في قلوب المؤمنين، الذين يصارعون في عالم تلاطمه الأمواج من كل حدب وصوب، ولكي تحّل العدالة الاجتماعية مكان الاستئثار والانانية وكل أنواع الشهوات، ولكي يسود السلام حيث تشوّه الحروب بكل أشكالها إنسانية الانسان وتُهان كرامته وتُهدر حقوقه ويُسام بأبشع أنواع العذابات الجسدية والمعنوية ويُشرّد ويهجّر من أرضه وتُسلب منه حريته وكرامته.
ومن بين هذه التحدّيات الكثيرة التي سيواجهها البابا الجديد استمرار تراجع نسبة المسيحيين الكاثوليك الذين يمارسون شعائرهم الدينية بانتظام في أوروبا وأميركا الشمالية، مع تزايد طغيان فكرة العلمانية وتراجع دور الكنيسة في الحياة العامة. وقد سبق للبابا لاوون الرابع عشر أن أشار إلى أن الإيمان المسيحي يُعتبر في بعض الأماكن أمرًا عبثيًا، حيث يُفضّل الناس مجالات أخرى مثل التكنولوجيا والمال والسلطة والمتعة. وهذا التوجه يتطلب من خَدَمة المذبح من كرادلة وبطاركة وأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات وشمامسة بذل المزيد من الجهود بهدف تعزيز الرسالة الروحية للكنيسة وتوجيه المؤمنين نحو قيم الإيمان والتضامن.
ولن ينسى البابا الجديد ما سبق أن واجهه سلفه الباب فرنسيس من استمرار تداعيات قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال من قبل عدد من رجال الدين المضلَلين والمضلِلين، وما يرتبط بها من مطالب بالعدالة والمساءلة، وضرورة إجراء إصلاحات مؤسسية جذرية لاستعادة ثقة المؤمنين بالكنيسة وبدورها الرسالي والجهادي.
ومن بين التحدّيات التي آلمت البابا فرنسيس كثيرًا، والتي ستكون على رأس أولويات البابا لاوون الرابع عشر الانقسام داخل الكنيسة بالنسبة إلى قضايا مثل دور المرأة في خدمة المذبح، وزواج المثليين، وكهنوت المتزوجين، وتعامل الكنيسة مع قضايا الهوية الجندرية، وما تتعرّض له الكنيسة من ضغط تمارسه المجتمعات الحديثة في محاولة منها لفرض مراجعة بعض المواقف العقائدية التي تُعتبر في نظرها تقليدية.
ومن بين التحدّيات التي قاربها البابا الراحل فرنسيس بانفتاح، والتي ستكون عنوانًا رئيسيًا من بين عناوين كثيرة مدرجة على لائحة أولويات البابا الجديد، تحدّي الوصول إلى قواسم مشتركة وتوحيد الرؤى بين مختلف الكنائس، التي لا تتبع لسلطة الفاتيكان، ومواصلة الحوار بين الأديان السماوية كالاسلام واليهودية والأديان الأخرى في عالم مليء بالتوترات السياسية والديني، مع ما يفرضه عليه ذلك من تعزيز الحوار بين الشعوب والثقافات المختلفة.
ففي كلمته، التي اعتبرت تاريخية، شدّد البابا لاوون الرابع عشر على ضرورة إعادة الروح المسيحية إلى أصالتها ونقاوتها والعودة إلى تعاليم السيد المسيح، الذي دعا تلاميذه إلى أن يكونوا نور العالم، وذلك من خلال
السعي من أجل إعادة بناء كنيسة موحّدة تسعى إلى السلام والعدالة، وتحاول دائماً العمل، كرجال ونساء مؤمنين بيسوع المسيح، من دون خوف أو وجل، لإعلان بشارة الإنجيل ولتلمذة جميع الأمم وتعميدهم باسم الأب والأبن والروح القدس . فدور الكنيسة اليوم أن تكون قريبة من الأشخاص الذين يُعانون شتى أنواع العذابات، والمهمّشين والأقلّ شأناً والأقلّ حظًّا في عالم مضطرب. وهذا ما فعله عندما فضّل عمله الرسولي والتبشيري في البيرو على كل المناصب التي عُرضت عليه، فكان إلى جانب الفقير والمهمّش والمريض.
وقد ُصدف حفل تولية البابا مع تلاوة نص من انجيل القديس يوحنا في قداديس يوم الأحد وفق الطقس الماروني ، حيث سأل يسوع سمعان بطرس:«يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّنِي هؤُلاء؟». قَالَ لَهُ: «نَعَم، يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوع: «إِرْعَ حُمْلانِي». قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟». قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوع: «إِرْعَ نِعَاجِي!». قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَالِثَة: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟». فَحَزِنَ بُطْرُس، لأَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ ثَلاثَ مَرَّات: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: «يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيء، وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوع: «إِرْعَ خِرَافِي!
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا