آخر الأخبار

50 عامًا على الحرب الأهلية.. هل تعلّم اللبنانيون الدروس فعلاً؟!

شارك
تبدو ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية ، التي تتعدّد تسمياتها وتتفاوت قراءاتها، ربما لكثرة الحروب التي تندرج في خانتها، مختلفة هذا العام عنها في كلّ السنوات السابقة. لعلّ ذلك يعود إلى الرقم، "50"، مع ما ينطوي عليه من "رمزية" بعد مرور نصف قرن على حربٍ طبعت تاريخ لبنان بكلّ ما للكلمة من معنى، ورسمت بدستور الطائف الذي أفضت إليه والذي لم يطبَّق بالكامل حتى يومنا هذا، خريطة طريقه لخمسين عامًا، وأكثر...

لكن أبعد من الرقم "50" ورمزيّته، لا بدّ أنّ " استثنائية " الذكرى هذا العام، تجد ما يبرّرها في الظرف الاستثنائي "الدقيق" الذي تشهده البلاد، الخارجة للتوّ من حربٍ إسرائيلية تكاد تكون الأكثر وحشيّة وقساوة، وقد ذكّرت الكثيرين باجتياح 1982، وأيقظت بتداعياتها "الثقيلة" المخاوف والهواجس من أن يعيد التاريخ نفسه، خصوصًا في ضوء الاستقطاب السياسي "الحاد" على ملفّات "كبيرة"، من نوع السلاح والمقاومة وغيرهما.

لعلّ هذه "الاستثنائية" تجلّت أيضًا في "تفاعل" اللبنانيين بمختلف فئاتهم، مع الذكرى الخمسين للحرب الأهلية، كما في الرسالة التي وجّهها رئيس الجمهورية جوزاف عون بالمناسبة، وخلص فيها إلى "أننا دفنّا الحرب إلى الأبد، وممنوع ومستحيل أن نعود إليها أو تعود إلينا"، لكن هل مثل هذا الاستنتاج يعكس الحقيقة فعلاً، وهل يمكن القول إنّ اللبنانيين تعلّموا دروس الحرب فعلاً، ولا يمكن أن يعودوا إليها بأيّ شكلٍ من الأشكال؟!

"دروس" الحرب وعِبَرها..

صحيح أنّ الحرب الأهليّة اللبنانية تُعَدّ من أعقد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط بالمُطلَق، هي التي استغرقت 15 عامًا حتى تنتهي، وخلّفت مئات آلاف القتلى والجرحى والمفقودين، فضلاً عن المفقودين والمغيَّبين، وصحيح أنّ أسباب اندلاع هذه الحرب تتفاوت بين المؤرّخين، بعيدًا عن حادثة "بوسطة عين الرمانة" الشهيرة، التي جاءت بعد تراكمات طويلة لعبت العديد من العوامل الإقليمية والدولية دورًا في تغذيتها، وربما تأجيجها.

لكنّ الصحيح أيضًا أنّه سواء كانت "شرارة" هذه الحرب داخلية بالمُطلَق، ربطًا بالصراعات الطائفية، التي قسّمت البلاد إلى "شرقية وغربية"، أو كانت "حرب الآخرين على أرضنا"، كما يحلو للبعض اختزالها، باعتبار أنّ الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان هو الذي أجّج "نار" الحرب، فإنّ الأكيد أنّ الدروس والعِبَر التي تركتها هذه الحرب، تكاد توازي بأهميتها فاتورتها البشرية والمادية "الثقيلة"، وبعضها لا يزال صالحًا حتى اليوم.

من هذه الدروس على سبيل المثال لا الحصر، ما تقاطعت عنده مختلف الكلمات التي قيلت في الذكرى، ومنها أنّ "العنف والحقد لا يحلان أي مشكلة في لبنان"، كما جاء في رسالة رئيس الجمهورية، الذي خلص إلى أنّ الحوار وحده كفيل بتحقيق كلّ الحلول، مستندًا إلى تجربة الحرب التي استمرّت 15 سنة، وانتهت بتسوية دستورية كان يمكن التوصّل إليها، بالحوار والتشاور، من دون دفع هذا الثمن الكبير على المستوى الداخليّ.

هل دُفِنت الحرب "إلى الأبد"؟!

"دفنّا الحرب إلى الأبد، وممنوع ومستحيل أن نعود إليها أو تعود إلينا". هي الخلاصة التي توصّل إليها رئيس الجمهورية في ختام رسالته إلى اللبنانيين بمناسبة الذكرى الخمسين للحرب الأهلية، رسالة يتقاطع عليها "ضمنًا" جميع اللبنانيين، قولاً على الأقلّ، وهو ما تجلّى في بياناتهم في المناسبة، حتى لو أنّ بعضهم لا يزال يفاخر بما يعتبرها "إنجازات" حقّقها في هذه الحرب، التي منع من خلالها "مؤامرة مريبة" من هنا، أو "مخططًا خبيثًا" من هناك.

لكن، أبعد من الأقوال، وربما النوايا التي لا يشكّ أحد بها، ثمّة من يعتبر أنّ الخشية اليوم أكبر من أيّ وقت مضى، فإذا كان صحيحًا أنّ القلوب كانت "ملآنة" في العام 1975، ما حوّل حادثة كان يمكن أن تمرّ كغيرها، إلى سبب مباشر لحرب غير مسبوقة استمرّت 15 عامًا، فلا شكّ أنّ القلوب اليوم "ملآنة" أيضًا، بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، بما أعاد رسم المعادلات والتوازنات في البلاد، بشكل لم يكن أحد يتوقّعه قبل أشهر قليلة فقط.

ولعلّ العودة إلى النقاشات السياسية في الأيام الأخيرة، خصوصًا في ملفّ سلاح " حزب الله " مثلاً، تعزّز مثل هذه المخاوف، فحتى لو وُجِدت قناعة "ضمنية" لدى الحزب بأنّ وضعه ما بعد الحرب لم يعد كما كان قبل الحرب، وبأنّ سلاحه أصبح موضع نقاش حقيقيّ، فإنّ هناك من يتوجّس من أن تؤدي مواقف بعض الأطراف العالية السقف، والرافضة حتى لمبدأ الحوار، بغضّ النظر عن الموقف منه، إلى ما لا تُحمَد عقباه.

"تنذكر وما تنعاد". تنطبق هذه المقولة التي لطالما رافقت الحروب والأحداث المأسوية، على الذكرى الخمسين للحرب الأهلية اللبنانية. فصحيح أنّ المطلوب "دفنها إلى الأبد" كما قال رئيس الجمهورية، لكنّ المطلوب أيضًا "استذكارها"، اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، من أجل عدم الوقوع في الأخطاء، أو لعلّها "الخطايا" نفسها، فرفض الحرب وغياب المصلحة منها، ليس سببًا كافيًا لضمان عدم حصولها، في لحظة "غادرة" يستحيل التكهّن بها!
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا