كتب طوني عيسى في" الجمهورية":لم تتحمّل "حماس" صدمة نزول الغزيين إلى الشارع رفضاً لها، وهي التي كانت دائماً تحظى بغالبية مريحة في أي استفتاء للرأي. وقد حاولت بشرطتها قمع المتظاهرين، لكن الغارات العنيفة التي دأبت
إسرائيل على شنّها ضدّ مقاتلي الحركة وكوادرها أعاقت عمل الشرطة فانكفأت، ما أتاح لمزيد من الغزيين أن يتظاهروا ويطلقوا المواقف الحادة بلا خوف: "حماس تطلع بَرّا". وعلى الأرجح، تعمّدت
إسرائيل شن هذه الغارات لتمكين حركة الاعتراض الغزية من البروز والتنامي، ما يزيد الضغط على "حماس" ويجبرها على الرضوخ للمطالب
الإسرائيلية - الأميركية. ولكن، بمعزل عن التخطيط
الإسرائيلي المؤامراتي ضدّ غزة، فإنّ الغزيين فجّروا الاحتقان الذي يعتمل في نفوسهم منذ أن نفّذت الحركة عملية "طوفان الأقصى"، وتسببت باندلاع حرب كارثية لم تنتهِ منذ عام ونصف عام. "راحت سكرة" قتل 1200 إسرائيلي (إذا كان صحيحاً هذا العدد) وأسر 225، في 7 تشرين الأول 2023، وجاءت "الفَكرة": حتى الآن، 50 ألف قتيل فلسطيني وأكثر من 150 ألف جريح ومعوّق ومفقود، ومئات آلاف النازحين في داخل غزة وخارجها، ومدن وقرى سويت بالأرض ولم تعد صالحة للعيش لسنوات عدة على الأقل.
والمرحلة التي دخلتها غزة اليوم تقدّم درساً واضحاً إلى النماذج الأخرى المشتبكة مع إسرائيل حالياً في الشرق الأوسط، ولا سيما منها "حزب الله" في
لبنان . فمن المثير أنّ الحرب في
لبنان تسلك
الطريق عينها التي سلكتها حرب غزة، بفارق قصير في التوقيت لا أكثر. فعندما كان يُطلب من "الحزب" أن يوقف حرب المساندة لغزة لئلا تتخذ إسرائيل من ذلك ذريعة وتشن حرباً مشابهة فيلبنان، لم يستجب، لكن المخاوف صحّت. واليوم، يُقال ل "الحزب": إذا لم يُسلَّم السلاح إلى الدولة، فإسرائيل ستستغل ذلك ذريعة لاستئناف الحرب والتدمير كما يحدث اليوم في غزة. وربما بدأ ذلك يتحقق بقصف الضاحية الجنوبية لبيروت. ولكن، حتى الآن، ما زال "الحزب" يرفض تسليم السلاح كما ترفض"حماس" ذلك. وكما عادت الحرب بكل قسوتها على غزة، وبلغ الضحايا بضع مئات في يوم واحد، فإنّ لبنان أيضاً ربما بدأ
يشهد ملامح عودة مماثلة إلى الوضع الكارثي، والأرجح أنّها ستشمل الضاحية والجنوب والبقاع، كما في الجولات السابقة. هذا الأمر سيدفع كثيرين في لبنان إلى الطلب بكثافة من "الحزب" أن يستجيب لجهود التسوية، لكن القريبين منه لا يتوقعون نزول شيعة لبنان إلى الشارع، على الطريقة التي نزل فيها الناس في غزة، ولو أنّ "حماس" و "الحزب" يتشابهان من حيث كون كل منهما جزءاً من النسيج المجتمعي، في لبنان أو فلسطين. وفي أي حال، لا بدّ ل "حزب الله" أن يفكر جدّياً في المخارج بعد اليوم لئلا يسلك
الطريق مجدداً إلى الكارثة. وهذه المخارج يُفترض إيجادها في التوقيت المناسب لا بعد فوات الأوان.