على رغم المشاعر الجياشة التي انتابتني وأنا أتابع مشهدية تكريم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وعقيلته السيدة نعمت للزميلة والأخت والصديقة هدى شديد لا أعرف لماذا قادني تفكيري إلى يوم أغدق الرئيس السابق العماد ميشال عون في نهاية عهده على مستشاريه والمقربين منه بأوسمة رئاسية تكريمية، مع أن كثيرين ممن كانوا من المحظّيين لم يكونوا يستحقّون مثل هذا التكريم. وهذا هو الفرق بين البداية والنهاية. وهو فرق لا يمكن ان يُترجم ببضعة كلمات، لأن ما بينهما بونًا كبيرًا من المفارقات، التي لا بدّ من التوقف عندها بما فيها من تباينات ومعانٍ وعِبر قد يكون من المفيد جدًّا للأجيال الطالعة أن تُذكر لهم وينوّه بها، وإن كانت مناسبة التكريم، التي جمعت قليلًا من بين كثيرين ممن يحبّون زميلتنا هدى، التي أصبحت لنا جميعًا رمزًا للشجاعة والبطولة بكل ما في هاتين الكلمتين من معانٍ نحتاج إليهما في كل لحظة من لحظات حياتنا لنتعلم منها كيف يكون الجهاد والصمود في وجه التحديات والصعوبات المادية والمعنوية، وهي كثيرة، تمامًا كما هي مواجهات هدى كبيرة.
وأنا أتطلع إلى وجه هدى، وهي تستمع إلى كلمات فخامة رئيس الجمهورية والزميلين الصديقين رفيق شلالا وبيار الضاهر، حتى وهي تلقي كلمتها، لم أستطع أن أحبس دمعي لكثرة تأثّري بمدى إيمانها العميق اللامحدود، وبهذا التحالف العشقي القائم بينها وبين الحياة، والمتجسّد بتلك الابتسامة الملائكية، التي لا تشبه أي ابتسامة أخرى.
لم أشبع من التطلع إلى وجهها المحفور بالألم، وإلى عينيها المشعتين وكأني كنت أتطلع إلى وجه الأم تريزيا أو الأخت رفقة أو تريزيا الطفل يسوع، أو شفيعة الأمور المستحيلة القديسة ريتا، أو إلى وجه مريم عند أقدام الصليب. وقد استحضرت في هذه اللحظات السريعة ماذا تعني لي في حياتي الايمانية كلٌ من مريم، أم يسوع الابن، وشفيعتنا عند الأب، وعروسة الروح القدس، والأم تريزيا صديقة الفقراء، والراهبة المتألمة رفقة الرئيس، وتريزيا الطفل يسوع الراهبة المتواضعة، والقديسة ريتا العجائبية. ولماذا أتين معًا في هذه اللحظات التأملية، وأنا أراقب كل حركة من حركات هدى، وكل تعبير غير مكتوب رسمته بريشة أحاسيسها، التي يمكن أن يُكتب عنها مجلدات تكون مادة أساسية لتُعّلم في مدارس الحياة، وفي معابر البطولة. والبطولة يمكن أن تكون بهذا النوع من المقاومة. وأول هذه الأنواع مقاومة ما فينا من انسياق لاإرادي نحو كل ما يشدّنا نحو "الارضيات".
فالرئيس عون يعرف تمام المعرفة أن أشكالًا كثيرة من المشاكل والأزمات ستواجهه في مسيرته الرئاسية، وهو الذي اعتاد على خوض المعارك منذ اليوم الأول لتسلمه سيف البطولة يوم تخرّجه ضابطًا من المدرسة الحربية، وصولًا إلى شتى أنواع المعارك التي خاضها عندما أُسندت إليه مسؤولية قيادة الجيش في أصعب الظروف، التي مرّت بها المؤسسة العسكرية، فاستطاع أن يمنع عنها ما أصاب غيرها من مؤسسات الدولة من شلل وانهيار.
يكفي الرئيس عون أن يكون تكريمه للزميلة هدى، وهو تكريم لكل صحافي وإعلامي، باكورة انطلاقة مسيرته الرئاسية، وكأني به يضع حجر الزاوية في بناء لبنان جديد لا بدّ من أن تكون أساساته متينة وصلبة، لأنها معمّدة بفعل عمل يرقى إلى المستوى التكريسي. وهي عادة جبلية قديمة لدى أهل قرى الجرد، الذين كانوا يرشّون عتبات بيوتهم بالماء المقدّس، إيمانًا منهم بأن خير الرب وبركاته ونعمه ستفيض عليهم فكانوا يردّدون ما عادت وردّدته سفيرتنا إلى النجوم السيدة فيروز " تتبارك حجار البيت تتبارك العتبه والخوابي نبيد وزيت وتفيض المحبه".
فبهذا الايمان المستمد من إيمان هدى وجميع الذين تشبههم ممن سبق أن ذكّرتني بهن، وبهذه الشجاعة كشجاعة من يحارب بسيف من ألم، وبهذه البطولة كبطولة من لم يحمل يومًا سوى قلم، ولم يملك سوى رأي حر، يبدأ الرئيس عون عهده "وأبواب الجحيم لن تقوى عليه".
فإلى زميلتي وأختي وصديقتي هدى ألف شكر.