على الرغم من قول رئيس الحكومة المكلف نواف سلام إنّ تشكيل الحكومة يتقدّم إيجابًا، "وفق الاتجاه الإصلاحي الإنقاذي" الذي تعهّد به بالتفاهم مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، والذي جاء بعد تسريبات "متفائلة" بأنّ الولادة الحكومية تقترب، لا توحي الأجواء السياسية بـ"الإيجابية" نفسها، خصوصًا في ظلّ "الكباش" الحاصل حول الحصّتين المسيحية والسنّية، إذا صحّ ما يحكى عن التفاهم مع "حزب الله" و"حركة أمل" على الحصّة الشيعية.
ولعلّ الحصّة المسيحيّة استحوذت على "حصّة الأسد" من الاهتمام في الأيام القليلة الماضية، في ضوء موقف "القوات اللبنانية" تحديدًا، وما أثير عن "امتعاضها" من أداء الرئيس المكلّف، وقد تجلّى ذلك بسلسلة مواقف لقياديّين أساسيّين في "القوات"، وعلى رأسهم رئيسها سمير جعجع، وكذلك في بيانات رسمية صدرت عن الدائرة الإعلامية في الحزب، وقد تقاطعت بمجملها على رفض "المعايير المزدوجة"، أو ما يصفه البعض بسياسة "الكيل بمكيالين".
وإذا كان هناك من يعزو الامتعاض "القواتي" إلى التقارير الإعلامية التي تحدّثت عن "تسليم" الرئيس المكلف بمطالب "الثنائي الشيعي"، بما في ذلك حسمه حقيبة المال لصالح المرشح المطروح من جانبها، فإنّ بعض الكلام المنسوب لقياديّي "القوات" أوحى بأنّ مشكلتها مرتبطة في الأساس بحصّتها في الحكومة، خصوصًا بعدما تبيّن لها أنّها خالية من أيّ حقيبة "سيادية"، تعتقد أنّها حقّها المشروع، بالنظر إلى حجمها التمثيليّ مقارنة بالقوى الأخرى...
امتعاض "القوات"
يقول المؤيدون لوجهة نظر "القوات" إنّ الامتعاض الذي عبّرت عنه الأخيرة مشروع، بالنظر إلى ما بات يصطلح على وصفه بـ"المعايير المزدوجة" في أداء الرئيس المكلّف، الذي قدّم للفريق الذي لم يسمّه ولم يدعمه كلّ ما يطلبه، ويحقّق له شروطه، ويقف على خاطره، فيما يتعامل مع القوى الأخرى، بما فيها "القوات اللبنانية"، بطريقة مغايرة، وكأنّه يقول لها إنّها إما تقبل بالحكومة وفق التركيبة التي يختارها هو، أو يمكنها أن تذهب إلى صفوف المعارضة.
ويشير هؤلاء إلى أنّ المشكلة مع الرئيس المكلّف، الذي كان "القوات" من أوائل الداعمين له، بل المراهنين عليه في تحقيق التغيير المنشود، والذي عبّر عنه رئيس الجمهورية صراحةً في خطاب القَسَم، تبدأ من المعايير التي حدّدها لوزراء حكومته، حين قال إنّه لا يريد "حزبيّين" فيها، متبنّيًا بذلك بصورة أو بأخرى، موقف قوى المجتمع المدني، التي "شوّهت" صورة الأحزاب، بعدما وضعتها بمجملها في سلّة واحدة، من دون أيّ تمييز.
وفي هذا السياق، يعتبر المؤيدون لوجهة نظر "القوات" أنّ أداء الرئيس المكلّف، وخصوصًا مع "الثنائي"، لا يبدو منسجمًا مع عناوين خطاب القسم، وبالتالي لم يكن يفترض به أن يقبل بإملاءات "الثنائي" وشروطه، خصوصًا في حقيبة المال، وهو الذي يدرك أنّ "الثنائي" يحتاج إلى الوجود في هذه الحكومة، أكثر من حاجة الحكومة إليه عمليًا، علمًا أنّ رئيس حزب "القوات" سمير جعجع كان أول من أبدى مرونة بإسنادها لشيعي، ولكن "مستقلّ".
"الحقيبة السيادية"
يقول المحسوبون على "القوات" إنّ المشكلة ليست مرتبطة بالحصص والمواقع، بقدر ما هي مرتبطة بالسياسة العامة للحكومة، وبخطوط بيانها الوزاري، خصوصًا أنّ "المكتوب يُقرَأ من عنوانها"، علمًا أنّ بعض التسريبات أشارت إلى أنّ "القوات" ربطت أمر مشاركتها في الحكومة بإجابات تنتظرها من الرئيس المكلّف حول هذه المواضيع بالتحديد، بغضّ النظر عن أيّ تفاصيل أخرى مرتبطة بالحقائب ونوعها، وحتى أسماء الوزراء.
إلا أنّ هذا الكلام يصطدم مع بعض الوقائع المنقولة من مفاوضات التأليف الحكوميّ، حول طلب "القوات" صراحةً الحصول على حقيبة سياديّة، باعتبار أنّ هذه الحقيبة حقّها المشروع اليوم، بوصفها الكتلة المسيحية الأكبر، مقارنة بكلّ الكتل المسيحية، بما في ذلك كتلة "التيار الوطني الحر" التي تقلّص حجمها إلى الحدّ الأدنى، علمًا أنّ "القوات" تعتبر أنّ قوى الممانعة هي التي ترفض أن تحصل "القوات" على وزارة من نوع الخارجية أو الدفاع.
في المقابل، ثمّة من يتحدّث عن "تضعضع" لدى "القوات" يختزله منطقها في مقاربة "الحقيبة السيادية"، فالحقيبة التي تريدها هي من حصّة رئيس الجمهورية، وهو الرئيس الذي يعتبر "القواتيون" أنّهم يشكّلون "حصّته"، ويؤكدون أنّهم جاهزون لكلّ شيء من أجل إنجاح عهده، فإذا بهم "يقوطبون" عليه بصورة أو بأخرى، علمًا أنّ الحصص الممنوحة لـ"القوات" تشمل حقائب مهمّة وأساسيّة، بعكس ما عُرِض على "التيار الوطني الحر" مثلاً.
يبدو موقف "القوات" مثيرًا للجدل لكثيرين، فإذا كان البعض يعتبر موقفها حول "ازدواجية المعايير" محقًا، ولا سيما أنّ المطلوب التعامل بنَفَس مختلف، وبناء على المعادلات المستجدّة، يرى آخرون أنّ هذا الموقف يُفرَغ من مضمونه، بموجب شروط "القوات" التي توحي بأنّها جاهزة للقبول بكلّ ما سبق، إذا ما أسنِدت لها الحقيبة السيادية الموعودة، فهل ينسجم ذلك مع المبادئ والثوابت، والأهمّ، مع عناوين "العهد الجديد"؟!