جاء في صحيفة "نداء الوطن":
بعد صدور تقارير حول نقل أموال إيرانية إلى "حزب الله" جوّاً عبر مطار بيروت، لن تعود أجواء الطمأنينة باستعادة الثقة وإزالة لبنان عن اللائحة الرمادية قائمة بالزخم نفسه، رغم الجهود المتواصلة لتحقيق هذا الأمر من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي أوفد خبراء لتدريب هيئة التحقيق الخاصة بدءاً من هذا الأسبوع حول متطلبات الخروج من اللائحة الرمادية .
شدّد رئيس الجمهورية جوزاف عون خلال لقاءاته على ضرورة العمل على رفع لبنان عن اللائحة الرمادية المدرج عليها من قبل لجنة العمل المالي الدولية "فاتف"، علماً أن العمل على ذلك وفقاً لحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لا يرتبط بالقطاع المصرفي كما صرّح مؤخراً، "لأن تقرير «FATF» الصادر بنهاية شهر تشرين الأول الماضي، استثنى في مقدمته المصرف المركزي من أي مسؤولية، معتبراً أنه قام بواجبه وأصدر التعاميم اللازمة. وبناء على ذلك، فإن المصرف المركزي والقطاع المصرفي الذي يراقبه، لا يحتاجان إلى القيام بأي شيء من الموجبات العشرة المطلوبة من الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية ".
كما أشار منصوري إلى أن "الرقابة على دخول وخروج الأموال نقداً أو عبر المصارف، يتم قبولها من قبل منظمة دولية معنية بمكافحة الجرائم المالية. وهو ما يبعث على الطمأنينة ".
ولكن السؤال المطروح اليوم: هل ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أن مسؤولين إيرانيين وغيرهم قاموا بتسليم عشرات الملايين من الدولارات نقداً إلى "حزب الله" عبر مسؤولين أتراك جواً، وأن إسرائيل هددت بضرب مطار بيروت إذا تمّ استخدامه لتهريب المساعدات لـ "الحزب"، يبعث على الطمأنينة أيضاً؟ هل أن تلك المعلومات تساعد في "إعادة بناء الثقة" التي تكلّم عنها منصوري كعنوان المرحلة المقبلة؟ وهل تساعد في رفع لبنان عن اللائحة الرمادية لمنظمة العمل الدولي كمؤشر لاستعادة الثقة بقطاعه المصرفي؟
هذه الأخبار أو المعلومات أو الشائعات تذكّر بشروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إنقاذ للبنان والتي حدّدها الصندوق منذ اندلاع الأزمة في 2019 وبدء التفاوض معه، وأبرزها كان ضبط المعابر الجوّية والبحرية والبرية الشرعية وغير الشرعية للبنان، وفرض رقابة متشدّدة على دخول أو تهريب البضائع أو الأموال وغيرها من السلع أو تزوير مانيفست وفواتير البضائع، إما لإدخال بضائع من دون التصريح عنها (تهريبها) أو التهرّب الجمركي ....
جميع تلك العوامل تصبّ في خانة إعادة بناء ثقة المجتمع الدولي بلبنان، الثقة التي تحتاجها البلاد كمفتاح لاستعادة النمو من خلال تلقيها أموال المساعدات، الهبات، القروض والاستثمارات .
فما هو المسار الذي يجب اتّباعه من قبل لبنان كحكومة ودولة وكقطاع مصرفي لتلبية شروط رفع لبنان عن اللائحة الرمادية واستعادة الثقة بقطاعه المصرفي؟
يبدو مسار القطاع المصرفي سليماً، وهذا ما أكده الحاكم بالإنابة، وما أشار له تقرير "فاتف". وضمن الجهود المصرفية القائمة لمواكبة إطار العمل المطلوب، زار وفد من الاتحاد الأوروبي مؤخراً نواب حاكم مصرف لبنان والمدير العام لوزراة الاقتصاد والتجارة بصفتهم أعضاء المجلس المركزي في مصرف لبنان. حيث تمّ الاتفاق، وفق ما كشفته مصادر في مصرف لبنان لـ "نداء الوطن"، على أن يرعى الاتحاد الأوروبي ورشة تدريب لقسم هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان يديرها خبراء أوروبيون، تتمحور حول خطة العمل المطلوب تطبيقها اليوم للخروج من اللائحة الرمادية، كون هيئة التحقيق الخاصة هي نقطة التواصل بين لبنان ومنظمة العمل المالي في هذا الموضوع .
وفيما كشفت المصادر أن ورشة التدريب ستبدأ في الأسبوع الأول من شباط الحالي، لفتت إلى أن وفد الاتحاد الأوروبي على دراية تامّة بالوضع اللبناني بأدق تفاصيله، ولديه وعي تامّ إلى أن نقاط الضعف في موضوع إدراج لبنان على اللائحة الرمادية ليست مرتبطة بالقطاع المصرفي أو بعمليات تحويل أموال مشبوهة عبر القنوات الرسمية، بقدر ما هي مرتبطة بموضوع بعض مؤسسات وإدارات الدولة مثل الجمارك وموضوع التهريب والفساد الإداري. وأوضحت المصادر أن هناك 3 فئات يتم على أساسها تقييم وضع لبنان من قبل منظمة العمل الدولي وهي أوّلاً، الفئة المتعلّقة بالقطاع المصرفي والتي لا يوجد ضمنها شروط غير مستوفاة من قبل القطاع المصرفي وبالتالي يعتبر لبنان مستوفياً لها، والثانية المتعلّقة بالتهريب والاقتصاد الرديف والتي تحتاج معالجتها إلى إرادة سياسية واضحة في ما يتعلّق بمكافحة التهريب والتهرّب الجمركي وضبط المعابر كافة. أما النقطة الثالثة فهي مرتبطة بما سمّي بالـ paramilitary group أي "حزب الله" ومصادر التمويل التي يعتمدها والتي تدخل بصورة غير شرعية وعبر قنوات غير رسمية، وتصنّف كمصادر لتمويل الإرهاب وتبييض الأموال. وأكدت المصادر أن نقاط الضعف أو الشروط المطلوب العمل على معالجتها تكمن في النقطتين الثانية والثالثة، وأن وفد الاتحاد الأوروبي يعي ذلك، ولكنّه يعتبر أن عمله يتمّ عبر هيئة التحقيق الخاصة التي هي صلة الوصل مع منظمة العمل المالي، ومن خلالها يتم وضع خطة العمل التي يجب تطبيقها في القطاع المصرفي ونقل بنود إصلاحاتها المطلوبة إلى المعنيين في إدارات الدولة ومؤسساتها ووزاراتها .
ختمت المصادر مؤكدة أن الإرادة السياسية هي مفتاح الإصلاح على كل الاصعدة بدءاً من الجمارك مروراً بالاقتصاد الرديف وصولاً إلى تهريب الاموال، موضحة أن وفد الاتحاد الأوروبي سيعمل مع هيئة التحقيق الخاصة على دعم جهوده لاستيفاء ما هو مطلوب لرفع لبنان عن اللائحة الرمادية، وعلى المتطلبات التي يجب أن تنقلها الهيئة إلى وزارة المال وغيرها من الوزارات، من أجل مكافحة الاقتصاد النقدي، التهريب وكيفية رفع الجباية وزيادة الإيرادات .