آخر الأخبار

القتل بلا رادع والفوضى تتمدد... هل يعود حبل المشنقة؟

شارك الخبر
في بلد يترنح على حافة الهاوية، صار الموت عنوانًا يوميًا يُكتب بالدم، وصارت الجريمة وحشًا كاسرًا ينهش ما تبقى من أمنٍ واستقرار. من مزرعة يشوع إلى بصاليم، ومن فاريا إلى مختلف المناطق، مسلسل القتل مستمرّ بلا هوادة، والرصاص بات لغة الشوارع، فيما العدالة تقف مكتوفة الأيدي أمام مشهدٍ يُنذر بانفجار أمنيّ واجتماعيّ لا تُحمد عقباه.
وسط هذه الفوضى الدامية، تعلو الأصوات مجددًا: متى يعود حبل المشنقة ليكون رادعًا في وجه وحوش الإجرام؟ هل أصبح تنفيذ أحكام الإعدام ضرورة حتمية لوقف هذا النزيف القاتل؟

شكّلت عقوبة الإعدام عبر العصور أحد أشدّ أنواع العقوبات التي اعتمدتها المجتمعات لردع المجرمين وتحقيق العدالة. فمنذ القدم، كانت هذه العقوبة سيفًا مشرعًا بوجه من تسوّل له نفسه العبث بأرواح الأبرياء، حيث اعتُبرت القصاص الأقصى الذي يُعيد التوازن إلى المجتمع ويبعث برسالة قاسية لمن تُراوده شهوة الجريمة. غير أن الجدل حول فاعليتها وعدالتها لم يتوقف يومًا، ففيما يرى البعض أن تنفيذ أحكام الإعدام ضرورة لضبط الأمن، يرى آخرون أنه انتهاك لحقّ الحياة، ليبقى السؤال مطروحًا: هل باتت العودة إلى هذه العقوبة حتميّة في زمنٍ تحوّلت فيه الجريمة إلى قاعدة لا استثناء؟
وعلى الرغم من أنّ لبنان أدرج عقوبة الإعدام ضمن منظومته القانونية كإجراء رادعٍ للمجرمين، إلا أنه تخلّى فعليًا عن تنفيذها التزامًا بالبروتوكولات والاتفاقيات الدولية التي تنادي بإلغاء هذه العقوبة، باعتبارها انتهاكًا لحقّ الإنسان في الحياة. فقد نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 على أنّه "لكلّ شخص الحق في الحياة والحرية والأمان، ولا يجوز تعذيبه أو تطبيق العقوبات القاسية واللاإنسانية بحقه"، كما أكّد الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عام 2004 على "الحق في الحياة كحق ملازم لكل فرد".
لكن تاريخ العقوبة في لبنان لم يكن خاليًا من المشاهد الدامية، إذ يعود تنفيذ آخر حكم بالإعدام إلى عام 2004، حين أُعدم ثلاثة أشخاص، هم أحمد منصور وبديع حمادة رميًا بالرصاص، وريمي أنطوان زعتر شنقًا. أما أول حكم بالإعدام في لبنان، فنُفّذ عام 1947 بحق سعيد متري لطيف، الذي أدين بقتل الياس اسطفان. وبين أول إعدام وآخره، سجّلت العقوبة حضورها، لكنها اليوم تقف عند مفترق طرق، بين من يراها ضرورة أمنية لإنقاذ البلاد من مستنقع الجريمة، ومن يعتبرها إجراءً بائدًا في عالمٍ يسعى إلى إلغاء حكم الموت باسم العدالة.
في هذا السياق، يقول المحامي بالاستئناف شارلي بو نعمة لـ"لبنان24" إن الإعدام بدأ منذ فجر التاريخ، وتطور منذ زمن حامورابي، انطلاقا من مبدأ "السن بالسن"، وتطورّت عبر التاريخ حيث اعتمدتها الدول كقصاص للجرائم الكبيرة حماية للمجتمع، وكانت كل من الصين والهند وأفغانستان وباكستان تشهد حالات إعدام كثيرة، على عكس الدول الأوروبية التي ألغت عقوبة الاعدام، والتي ركّزت على أنّ الهدف من العقاب هو تطوير الشخص والعمل على اندماجه داخل المجتمع، وهذا ما ساهم بتغيير النظرة لناحية معاقبة الشخص، وما سمح بالاعتماد على الأطباء النفسيين، بالاضافة إلى العمل على تطوير شخصية المسجونين".

وعن وضع عقوبة الإعدام اليوم في لبنان، اشار بو نعمة إلى أنّ لبنان لا يزال يطبق عقوبة الإعدام، خاصة وأن القانون لم يعدَّل ولا يزال ينصّ عليها قانون العقوبات إذ يتم تطبيق العقوبة في جرائم القتل العمدي (مادة 549 عقوبات – القتل عن قصد وسابق تصور وتصميم)، ما يشير إلى أنّ الإرادة والوعي للشخص واضحة في هذه الحالة، على عكس حالة عدم الاهلية خلال تنفيذ الجريمة، وهناك حالات أخرى، مثل التجسس والخيانة والتعامل مع إسرائيل، بالاضافة إلى الجرائم الكبيرة مثل اغتصاب الاطفال والتعذيب، وهنا نحن نتكلم عن جرم قوي وخطير يستوجب تطبيق عقوبة الإعدام.
وأشار بو نعمة إلى أن قانون اصول المحاكمات حدّد كيفية تنفيذ حكم الاعدام، إذ من الاصول الواجب توافرها هي امضاء مرسوم من رئيس الجمهورية، وألا يتم تنفيذ الحكم نهار الاحد، أو أيام الاعياد، بالاضافة إلى تنفيذ الطلب الاخير للشخص، وعدد آخر من الأمور الإجرائية، إلا أنّ بو نعمة يلفت إلى أنّ هذه الاجراءات كانت قد نفذت لآخر مرة عام 2004 على أيام الرئيس إميل لحود، حيث شهد سجن روميه آخر عملية إعدام، ولم يتم منذ حينها تنفيذ أي حكم إعدام، وذلك عقب اجتماعات مع شرعة حقوق الإنسان والأمم المتحدة، وأكّدت الحكومات المتعاقبة بطريقة غير معلنة أنّه يتم الابقاء على عقوبة الاعدام قانونا إلا أنّه فعليا لا يتم تطبيقها، وبدأ القضاة، بدلا من تطبيق المادة 549 عقوبات والتي تنصُّ على الإعدام، يقومون بتطبيق المادة 548، أي التخفيف من وطأة العقوبة، وأصبحت هذه المادة مشددة وتشمل الأشغال الشاقة.
وأشار بو نعمة إلى أن هناك تيارين بخصوص نظرية الاعدام، التيار الأول يقول أنّه يجب أن لا نقوم بعملية الاعدام، لأنه بدلا من إرشاد الشخص فإنّنا نقوم بتشريع القتل ونقوم بنفس الجريمة، أما التيار الثاني فيرى أنّ أي شخص لديه بوادر إرهاب وقام بجرائم متعددة فإنّه من غير الممكن تطويره .ورأى أصحاب هذا التيار أنّ تطبيق عقوبة الاعدام على هذا "المجرم" سيؤدي إلى إراحة المجتمع من جرائمه.

هل تطبيق عقوبة الإعدام يضبط الفلتان الأمني؟

يرى بو نعمة في هذا السياق أن تطبيق عقوبة الإعدام ليس بالضرورة الحلّ السحري لخفض معدلات الجريمة، إذ إن العامل الأساسي الذي يسمح للمجرم بارتكاب فعلته يكمن في ضعف مؤسسات الدولة وعجزها عن فرض هيبتها، فضلًا عن تفشّي ثقافة "الواسطة" التي تحوّل بعض الأحكام إلى مجرّد صكوك غفران تُخفف العقوبات أو تفرّغها من مضمونها. ومع غياب الرادع الحقيقي وعدم وجود "رهاب" من فكرة العقاب، يصبح تكرار الجريمة خيارًا مفتوحًا أمام القتلة والمجرمين.

وفي هذا السياق، يشدّد بو نعمة على ضرورة تفعيل دور الأطباء النفسيين، إلى جانب تطوير قدرات السجناء وتأهيلهم لإعادة دمجهم في المجتمع. فإذا أثبت المجرم تقدمًا على صعيد سلوكه، يصبح موقفه مناهضًا لفكرة الإعدام، باعتباره وسيلة إقصائية بدلاً من أن تكون إصلاحية. لكن في المقابل، اذا كان الشخص يتمتع بطباع إجرامية متجذّرة لا يمكن معالجتها، أو كان ذا نزعة إرهابية تهدد الأمن العام، فحينها يصبح تطبيق عقوبة الإعدام ضرورة لا مفرّ منها، كخطوة أخيرة لحماية المجتمع ومنع تحوّل الإجرام إلى واقع لا يمكن ضبطه.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا