آخر الأخبار

شرق أوسط جديد...البداية من لبنان؟

شارك الخبر
مصدر الصورة
ما يتردد من كلام إسرائيلي متنامٍ عن رسم خارطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط تحت مسمّى "شرق أوسط جديد" ليس وليدة اليوم، ولا يأتي بالطبع من ضمن ما يُعرف بـ "الحلم الإسرائيلي التاريخي" عن مشروعها التلمودي بالنسبة إلى إقامة الدولة الإسرائيلية من البحر إلى النهر، أي من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الفرات، بل هو شبيه بـ "سايس – بيكو" يعاد فيه ترتيب موازين القوى ورسم خارطة سياسية مختلفة للمنطقة، وهو ليس هدفًا إسرائيليًا جديدًا، ولكن هناك من يرى في إسرائيل أن هذا الأمر قد بات اليوم أقرب إلى التطبيق من أي وقت مضى في ظل التطورات المتسارعة والمواجهات المستمرة مع ما يُعرف بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة، وذلك منذ هجوم حركة "حماس" في 7 تشرين الأول الماضي، وصولًا إلى بدء مرحلة جديدة من الحرب الإسرائيلية المفتوحة على لبنان، والتي لم تنتهِ فصولها بعد، على ما يبدو، لا في غزة ولا في لبنان، بعد اغتيال رمزين مهمين من رموز "المقاومة"، وهما السيد حسن نصرالله ويحيى السنوار، وما بين هذين الاغتيالين من تصفيات لقيادات سياسية وميدانية، بالتوازي مع تدمير ممنهج للمناطق التي لا تزال تتعرّض لأقصى أنواع القصف في القطاع وفي لبنان، وما يصاحب هذا العدوان المخطّط له منذ سنوات من نزوح بشري فلسطيني كثيف نحو رفح وآخر لبناني في اتجاه مناطق لا تزال تُعتبر حتى الأمس القريب آمنة أكثر من غيرها نسبيًا.
وفي هذا الإطار، تتعدد الروايات لما يمكن أن تكون عليه ملامح الشرق الأوسط في المستقبل. ويكاد يكون هناك إجماع بين أهل المعرفة التاريخية في المنطقة وخارجها من أن شرق أوسط جديدًا بدأت ملامحه تتشكّل، ولكن طرف يراه من منظاره الخاص، وإن كانت الوقائع الميدانية هي التي تتحكّم بالمسار الآيلة إليه طبيعة تطّور الأمور على الأرض، والتي هي بطبيعة الحال ترجمة واقعية لما هو مرسوم على الورق. وما رفض إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة وفشل المفاوضات في كل من القاهرة والدوحة، وانتقالًا إلى رفض أكيد لوقف الحرب على لبنان، سوى حلقة في سلسلة ما بدأت به تل أبيب، التي لها أهداف مغايرة لأهداف سعاة الخير، الذين يطالبون بوقف المجازر، التي تُرتكب يوميًا. إلا أن دون الوصول إلى ما يُخطّط له ليس بالأمر السهل. من هنا يأتي الحديث عن حرب طويلة الأمد، مع ما سيرافقها من "تصفيات" لبعض رموز الحقبة الماضية، والتي تنامت الحركات الأصولية فيها في شكل غير عفوي بعد ما يسمّى بـ "الغزو الأميركي" للعراق العام 2003، وما عانته سوريا بعد انتفاضة العام 2011، وما تخّللها من حروب متشابكة بين مكونات النظام السوري مدعومًا من روسيا من جهة ضد المجموعات الأصولية كـ "داعش" والنصرة"، ومشاركة "حزب الله" فيها في شكل علني، حيث كانت لهذه المشاركة فعالية لافتة، مع ما للوجود الأميركي في أجزاء من العراق وسوريا من رمزية، فضلًا عن التدّخل التركي في الشمال السوري والتحركات الانفصالية لأكراد العراق وسوريا.
وما يجري في أوكرانيا قد لا يبدو بعيدًا عمّا يجري على الساحة الشرق أوسطية، بعد كل ما شهدته المنطقة من انتفاضات قد يعتبرها البعض بداية البدايات لما قد تشهده هذه المنطقة من متغيرات جوهرية. وما شهدته ساحات العراق ولبنان والجزائر والسودان ومن قبلهم مصر والمغرب وسوريا واليمن من احتجاجات تصدح بأن الشعب يريد تغيير الأنظمة القائمة لم يكن سوى بداية التحضير لما أعلن في السابق عمّا سمي بـ "الفوضى الخلاقة"، وما دعت إليه كونداليزا رايس بالنسبة إلى "شرق أوسط جديد".
وما الحديث عن علاقة الحرب الروسية – الأوكرانية بما يجري الآن في المنطقة ليس سوى التذكير بأن مبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل فيها هي من بين الأسباب الموجبة التي تؤجج الحروب، وتسمح للدول المعتبرة قوية بأن تستقوي على جيرانها توسعًا وطمعًا. وهذ السياسة التوسعية ليست سمة جديدة، فالدول الكبيرة والصغيرة، من داخل المنطقة وخارجها، فعلت ذلك باستمرار، منذ نهايات القرن الـ 18 (غزو نابليون لمصر 1798) والمنطقة تشهد تدخلا من القوى العظمى بما يمكن معه القول إن شيئا لم يتغير منذ ذلك التاريخ. حرب اليمن -منتصف الستينيات- والوحدة السورية - المصرية عام 1958 هي مجرد أمثلة على تدخل القوى الإقليمية في شؤون الدول الأخرى.
وعليه، فإن من يراقب بتمعن ما تقوم به إسرائيل في غزة ولبنان لا بدّ له من الوصول إلى استنتاج واحد، وهو أن ثمة أهدافًا أخرى من هذه الحرب الهمجية التدميرية والتهجيرية، ومن بينها، على ما هو ظاهر، خلق كيانات مغايرة عمّا كان عليه الوضع قبل 7 تشرين الأول من العام الماضي. ولكن دون الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة الكثير من العوائق والكثير من التعقيدات. وقد يتطلب أمر إزالة هذه العوائق وفكفكة التعقيدات وقتًا طويلًا واستنزافًا اقتصاديًا وبشريًا قد لا يكون في مقدور الفلسطينيين في القطاع ولا اللبنانيين تحمّل نتائج هذا الاستنزاف طويلًا.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك الخبر

إقرأ أيضا