بعد عقد على الهجمات التي هزت فرنسا في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 يعيد الباحث الفرنسي داميان سافيرو -في مقابلة مع صحيفة لاكروا- قراءة العلاقة المعقدة بين الدولة الفرنسية والإسلام.
ويؤكد الباحث في المدرسة العليا للأساتذة والمحاضر في معهد العلوم السياسية لمحاورته ألويز دي نيفيل أن ما جرى خلال السنوات الماضية لم يكن مجرد مواجهة أمنية مع "الإرهاب"، بل كان تحولا عميقا في نظرة الدولة إلى الإسلام كظاهرة اجتماعية وسياسية داخل البلاد.
وأشار سافيرو إلى أن تعامل الدولة الفرنسية مع "الإسلاموية" مر بمرحلتين واضحتين، الأولى اتسمت بالصدمة وردّ الفعل الفوري، حيث طغى الجانب الأمني من تفكيك "الشبكات الجهادية" وتعزيز المنظومة القضائية وإنشاء نيابة مكافحة الإرهاب، إلى جانب برامج "إعادة تأهيل" محدودة النتائج.
وفي هذه المرحلة تطور خطاب الدولة -حسب الكاتب- بعد أن أدركت أن "الجهادية" لم تأت من فراغ، بل هي نتاج سياق اجتماعي وسياسي فرنسي طويل الأمد تراكم عبر عقود من النشاط الدعوي والتجنيد والتنظيم.
عند ذلك بدأت المرحلة الثانية مع خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2020 بشأن " الانعزالية الإسلاموية " كما يقول الباحث، فانتقلت الدولة من مواجهة الإرهاب المسلح إلى معالجة ما تعتبرها "التربة الخصبة" للفكر "المتطرف"، أي الأوساط والجمعيات والخطابات التي يعتقد أنها تهيئ المناخ "للتطرف".
لكن هذه المقاربة الجديدة -حسب سافيرو- اتسمت أحيانا بالغموض، لأن وزير الداخلية وقتها جيرالد دارمانان قال إنه يريد "إيصال رسالة"، ولكن عجزه عن تحديد المرسل إليه، هل هم الإخوان المسلمون أم السلفيون أم اليسار الراديكالي أم المؤيدون لفلسطين أم الأئمة المحافظون، أم الجميع سمح أحيانا بممارسات تشبه العقاب الجماعي.
وبهذا خلط الوزير بين "الإسلاموية" السياسية والتدين المحافظ والنشاط الحقوقي كما يقول الباحث، مما جعل رسالته تترجم أحيانا إلى إجراءات تشبه العقاب الجماعي، مثل إغلاق المساجد أو حل الجمعيات، والذي بدا كممارسات إقصائية تغذي الشعور بالتمييز وتعمق الفجوة بين الدولة والمواطنين المسلمين.
ويشرح الباحث أن مفهوم " الإسلاموفوبيا " -الذي شق صف اليسار الفرنسي منذ التسعينيات- لا يزال موضع خلاف حاد بعد 2015، خاصة إثر اغتيال صموئيل باتي عندما أصبح ينظر إلى هذا المفهوم أحيانا كأداة تبرير للعنف، وهو ما زاد حساسية النقاش بشأنه.
وفي الوقت ذاته، أدت الصدمات المتكررة والسياسات الأمنية الصارمة إلى حالة من "نزع الطابع السياسي" عن جزء كبير من المسلمين في فرنسا، فتراجعت المشاركة السياسية بشكل واضح، وتفككت أو حلت العديد من الجمعيات ذات الطابع الإسلامي أو الحقوقي، كما يرى الكاتب.
ورغم أن بعض التحليلات تتحدث عن "تصويت مسلم يساري" فإن سافيرو يؤكد أن نسب الامتناع عن التصويت بين المسلمين مرتفعة جدا، مما يعكس شعورا واسعا بالعزلة السياسية وفقدان الثقة في جدوى المشاركة الديمقراطية.
مشروع "إسلام فرنسا" الذي تحاول السلطات بناءه على غرار الكنائس عبر مؤسسات مثل "المنتدى الوطني للإسلام" لا يزال هشا، لأن من يمثلون المسلمين رسميا يفتقرون إلى الشرعية الشعبية
وعلى الصعيد الديني، يشير الباحث إلى صعود السلفية في فرنسا، لا كحركة سياسية، بل كتيار فردي محافظ يركز على السلوك والالتزام الشخصي ويبتعد عن الشأن العام، وهو ما يجعلها تنتشر بسهولة بين الشباب عبر الإنترنت رغم محاولات الدولة احتواءها.
ويرى الباحث أن مشروع "إسلام فرنسا" -الذي تحاول السلطات بناءه على غرار الكنائس عبر مؤسسات مثل "المنتدى الوطني للإسلام"- لا يزال هشا، لأن من يمثلون المسلمين رسميا يفتقرون إلى الشرعية الشعبية ولا يعكسون تنوع الواقع الاجتماعي.
أما في المجال الأكاديمي فيلاحظ سافيرو أن دراسة الإسلام في فرنسا باتت أكثر شرعية بعد سنوات من الجدل بشأن "الإسلام واليسارية" وحرية البحث.
وبالفعل، شهدت السنوات الأخيرة تأسيس مؤسسات بحثية متخصصة وتطورا في مقاربة الإسلام كظاهرة اجتماعية فرنسية متجذرة، لا مجرد مسألة أمنية أو دينية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة