في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
دخل المشهد السياسي السوري مرحلة مهمة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي كانت أول اقتراع نيابي ينظم بعد انتهاء حكم عائلة الأسد الذي استمر أكثر من 5 عقود.
ورغم تباين التعاطي الشعبي مع نتائج الانتخابات، فإن الحكومة الحالية ستكون أمام اختبار مع بداية انعقاد جلسات المجلس التشريعي الجديد، الذي ينتظر منه تقوية موقف الحكومة داخليا وخارجيا، إذا لم يتم احتكاره وإخضاعه للسلطات التنفيذية.
وعن هذا الموضوع نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان " الانتخابات النيابية وتحديات إعادة بناء الدولة السورية ".
الورقة التي أعدها الباحث فراس فحام، ناقشت دوافع الانتخابات، ونتائجها، وتحديات المرحلة القادمة وذلك في ظل الآمال المعقودة عليها.
أشارت الدراسة إلى أن الانتخابات جرت في سياق تسعى فيه السلطة التنفيذية التي تتولى إدارة المرحلة الانتقالية، إلى تعزيز شرعيتها الداخلية وكسب اعتراف خارجي أوسع.
كما أنها جاءت في ظل استمرار الانتقادات الموجهة إلى السلطة بشأن آليات الحوار الوطني الذي نظّمته، بوصفه المدخل الأساسي لتجديد التفويض السياسي لها.
وتبرز الدوافع الرئيسية لإجراء الانتخابات التشريعية بوضوح إذا تم النظر إليها من زاوية، أن الحكومة تحتاج إلى إظهار استجابتها لمطالب المجتمع الدولي بأنها تعمل على توسيع المشاركة السياسية في السلطة لتشمل مختلف المكونات، بهدف ترسيخ شرعية تمثيلها للسوريين، ولتشجيع الدول على المزيد من الانفتاح السياسي والاقتصادي على سوريا .
وفي هذا السياق، حرصت الحكومية السورية منذ تشكيل اللجنة العليا للانتخابات التي أدارت عملية تشكيل الهيئات الناخبة على إبراز مشاركة المكونات الفاعلة في العملية السياسية؛ حيث ضمّت اللجنة شخصية مسيحية ممثلة بالناطق باسم اللجنة؛ نوار نجمة، وسيدة من الطائفة الإسماعيلية ؛ لارا عيزوقي، وشخصية كردية، محمد ولي.
اعتمدت سوريا نظام الانتخابات غير المباشر عبر لجنة عليا للانتخابات، تشكلت بموجب المرسوم رقم 66 الصادر في يونيو/حزيران 2025، استنادًا إلى المادة 24 من الإعلان الدستوري الصادر في مارس/آذار 2025.
ومن أجل إدارة الانتخابات، عيّنت هيئات فرعية تولّت تنظيم عملية التصويت في كل محافظة، وذلك في ظل عدم استكمال سيطرة الحكومة على كامل الأراضي السورية.
وكانت النتائج مقسمة بين المحافظات، إذ تصدّرت حلب قائمة التمثيل بحصولها على 30 عضوا، ودمشق ودير الزور 8 أعضاء لكل منها، وحصدت اللاذقية 7، ودرعا 6 وطرطوس 5 والقنيطرة 3، والرقة و الحسكة أخذت كل واحدة مقعدا واحدا.
أما ريف دمشق وحمص و إدلب وحماة، فقد بلغ عدد الممثلين لكل منها 12 مقعدا، كما أجلت الانتخابات في بعض الدوائر الأخرى بسبب الظروف الأمنية.
ومن ناحية الأعراق والأديان، أفرزت الانتخابات تمثيلا جزئيا محدودا لبعض الأعراق والأديان، فمقابل 113 نائبا للمسلمين السنة، حصل المكون الكردي على 4 مقاعد، و الطائفة العلوية على 3 مقاعد، ومقعدان للطائفة الإسماعيلية.
وفي الخلاصة، أظهرت نتائج الانتخابات تمثيلا مقبولا على مستوى المحافظات، ومحدودا على صعيد التمثيل العرقي والطائفي، مع هيمنة التيار المحافظ على غالبية مقاعد المجلس، وهو ما يعني أن المجلس سيكون أقرب للتناغم مع توجهات الحكومة، وفقا لما قالته الورقة التحليلية.
ووفقا للورقة التحليلية فإن نتائج الانتخابات من المتوقع أن تنعكس على النواحي التالية في المرحلة المقبلة:
1 – الاستقرار الداخلي
وبينما أعربت شرائح عن ارتياحها لنتائج الانتخابات، خاصة أنها أقصت بشكل شبه كامل منتسبين أو موالين للنظام السابق، فقد سجلت العديد من الأطراف الداخلية تحفظاته أو انتقاداته للنتائج، وأولها القوى السياسية التي لم تتمكن من الدخول في العملية الانتخابية وفق الآلية التي تمت بها.
وأشارت الدراسة إلى أن هذا التباين قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان والابتعاد عن مسار تطبيع الحياة السياسية ما لم يتصدّ مجلس النواب الجديد لمعالجة هذه الإشكالية.
2 – مسار وحدة الأراضي السورية
اعترضت "قوات سوريا الديمقراطية" ( قسد ) وذراعاها، المدني المتمثل في "الإدارة الذاتية"، والسياسية ممثلا بـ"مسد" على النتائج، واعتبرتها غير ملزمة ولا تمثلها، لأن الأعضاء المنتخبين لا يمثلون الإرادة السياسية المتنوعة للمجتمع السوري.
وقد عزّزت هذه الاعتراضات القناعة بأن حالة الاستعصاء المرتبطة بتوحيد كامل الأراضي السورية ستستمر، إذ أضيفت قضية شرعية مجلس النواب الجديد إلى سلسلة الملفات الخلافية بين الحكومة السورية من جهة، والقوى المسيطرة على الحسكة والرقة و السويداء من جهة أخرى.
3 – إنهاء انتشار السلاح
تعتبر قضية إنهاء انتشار السلاح خارج إطار مؤسسات الدولة وتفكيك الكيانات العسكرية المستقلة من القضايا الملحّة، التي من شأن إنجازها أن يسهم في تعزيز الاستقرار ودعم مسار بناء الدولة.
وبعد يوم واحد من إجراء الانتخابات النيابية، اندلعت موجة تصعيد جديدة بين قوات قسد والحكومة السورية على تخوم أحياء حلب التي لا تزال تتمركز فيها قوات قسد، الأمر الذي يعطي إشارة جلية إلى أن جهود احتواء التنظيمات العسكرية ضمن مؤسسات الدولة لا تزال تواجه مطبات وعراقيل.
4 – العلاقة مع إسرائيل
ومن المتوقع أن تنظر إسرائيل إلى نتائج الانتخابات بأنها إشارة واضحة إلى قوة الحكومة السورية الحالية واستمرارها في بسط سلطاتها، ما قد يدفع تل أبيب إلى تطوير العلاقات مع بعض الأطراف المناهضة للنظام القائم.
وتزامنا مع الظروف التي تمر بها سوريا في الوقت الحالي، فإن المأمول من المجلس التشريعي الحالي أن يقوم بالخطوات التالية:
1 – إقرار الدستور: إذ تُعد عملية إقرار دستور دائم لسوريا من الأولويات الملحة، ليتم تحديد شكل نظام الحكم وإقرار الحقوق السياسية والثقافية، وهو ما سيسهم بشكل كبير في عملية الاستقرار الداخلي للبلاد.
ومن المرجح أن يقوم المجلس التشريعي الجديد بمنح الثقة للجنة مختصة يعهد إليها إعداد مسودة للدستور ليقدم لاحقا للتصويت.
2 – قانون الأحزاب: وينتظر من البرلمان الحالي أن يصدر قانونا للأحزاب السياسية، لأن عدم إقراره جلب للحكومة الحالية كثيرا من الانتقادات.
3 – قوانين العدالة الانتقالية: وتحتاج الحكومة الحالية إلى إقرار قوانين في العدالة الانتقالية وتطبيقها.
كما أن الاستثمار وإعادة الإعمار اللذين يعتبران على رأس الأولويات يحتاجان إلى تجديد بعض القوانين، أو سن تشريعات أخرى جديدة.
4 – المعاهدات والاتفاقيات الدولية: ويُنتَظر من المجلس التشريعي أن ينظر في قانونية بعض التفاهمات والاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة السورية مع جهات دولية في ظل غياب سلطة تشريعية آنذاك، وذلك بهدف إجازتها أو تعديلها بما يتوافق مع الأطر الدستورية.
وأشارت الورقة التحليلية في خاتمتها إلى أن عدم رضا مكونات الشعب عن نتائج الانتخابات النيابية أمر طبيعي، خاصة أنها جاءت في سياق تسيطر عليه التوقعات بأن نتائجها ستكون في صالح الحكومة الجديدة التي واجهت النظام المخلوع في السنوات الماضية.
وإضافة إلى ذلك، فإن شعور بعض الطوائف بعدم التوازن في التمثيل، وإقصاء الأحزاب السياسية من المشاركة الفعلية، من الأمور التي عززت عدم الرضا داخل بعض المكونات.
وانطلاقا من ذلك فإن المجلس التشريعي الجديد سيكون أمام اختبار الاستقلال عن السلطة التنفيذية والقيام بأدواره القانونية، وإذا لم ينجح في ذلك واقتصر دوره على الوظيفة الشكلية فإن ذلك قد يعمق أزمة الثقة ويعزز الشكوك بشأن نية الحكومة في السيطرة على جميع السلطات.
المصدر:
الجزيرة