نشر موقع "الجزيرة نت" تقريراً جديداً تحدث فيه عن ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، مشيراً إلى أنّ هذه الملف "عاد إلى الواجهة مُجدداً بعدما أقرت الحكومة اللبنانية اتفاقية الترسيم المثيرة للجدل، وسط انقسام داخلي واتهامات بالتفريط في الحقوق البحرية تعود جذورها إلى أكثر من 15 عاماً".
وذكر التقرير أنه "في 23 تشرين الأول الماضي، أقرت الحكومة اللبنانية خلال جلسة عقدتها في
بيروت الاتفاقية الموقعة مع إدارة جنوب قبرص اليونانية، رغم الاعتراضات الواسعة التي وُجّهت إليها"، وأضاف: "يستعيد هذا القرار جدلاً قديماً بدأ عام 2007 حين وقّعت بيروت اتفاقاً أولياً لترسيم حدودها البحرية مع نيقوسيا، غير أن الاتفاق وُوجه حينها برفض شديد من قوى سياسية وخبراء في القانون البحري رأوا أنه ينتقص من حقوق لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة".
التقرير يقول إن "بعض القوى السياسية والخبراء اتهموا الحكومة بالتنازل عن مئات الكيلومترات المربعة من مياه لبنان الإقليمية بعد قبولها باعتماد النقطة رقم 1 كنقطة ثلاثية تجمع لبنان وقبرص وإسرائيل"، وأضاف: "لاحقاً، شكل ذلك الاتفاق مرجعاً لاتفاق ترسيم الحدود بين تل أبيب ونيقوسيا عام 2010، والذي أصبح بدوره أحد الأسس التي بُني عليها اتفاق الترسيم اللبناني
الإسرائيلي برعاية أميركية عام 2022، مما أعاد إلى الواجهة تساؤلات عن مدى تأثيره على الحقوق اللبنانية في شرق المتوسط".
وأكمل: "مع استئناف المحادثات اللبنانية القبرصية التي جمعت الرئيسين اللبناني جوزيف عون والقبرصي نيكوس خريستودوليدس في بيروت مؤخراً، يبدو أن الحكومة تمضي بخطى ثابتة نحو تثبيت الترسيم مع قبرص، في خطوة يعتبرها البعض مدخلا لتأكيد السيادة اللبنانية على مياهها. في المقابل، يُحذر آخرون من أن الاتفاق الجديد قد يُكرّس أمراً واقعاً يُستفاد منه لاحقاً لصالح إسرائيل في أي نزاعات بحرية مُقبلة".
بدورها، تقول خبيرة النفط والغاز في
الشرق الأوسط لوري هايتيان للجزيرة نت إنَّ "المحاولة الأولى لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص تعود إلى عام 2007، حين توصلت الحكومتان إلى اتفاقية لم تُعرض على البرلمان اللبناني للمصادقة، وبالتالي لم تدخل حيّز التنفيذ".
وأضافت هايتيان أنّه بين عامي 2007 و2011، عمل لبنان على تطوير خبرته التقنية والقانونية في هذا الملف، مما مهد لإعلانه من جانب واحد عام 2011 عن حدوده البحرية، متضمناً ترسيم الحدود مع إسرائيل وقبرص وسوريا، وإرسال الإحداثيات الرسمية إلى
الأمم المتحدة .
وأشارت إلى أنّ الإحداثيات الجديدة شملت تعديلات على بعض النقاط مقارنة باتفاقية 2007 غير المفعلة، مما كشف عن خلافات في النقاط الثلاثية، أبرزها الخط 23 عند التقاء الحدود اللبنانية – القبرصية –
الإسرائيلية ، والنقطة 7 عند الحدود اللبنانية – القبرصية –
السورية .
وذكرت هايتيان أنّ "إيداع لبنان لهذه الإحداثيات لدى الأمم المتحدة كشف عن خلافات مع تل أبيب، في حين أبدت دمشق تحفظا على بعض النقاط الشمالية، بينما لم تعترض قبرص رسميا، مما يجعل العلاقة بين بيروت ونيقوسيا خالية من نزاع فعلي لكنها بلا اتفاق نهائي".
وحول التطورات الأخيرة، أفادت هايتيان بأن توقيع لبنان اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وتثبيت الخط 23 أعاد الحاجة لاستكمال الترسيم مع قبرص، خصوصا عند النقطة 7، لضمان تثبيت الحدود بشكل نهائي ومتوافق عليه دولياً.
وأكدت أن لبنان ثبت خلال مفاوضاته الأخيرة مع قبرص الخط البحري والنقاط الثلاثية، مع التنسيق لاحقا مع
سوريا لاعتماد النقطة 7 كحدود مشتركة بين الدول الثلاث.
وعن الجدل الداخلي اللبناني، أوضحت هايتيان أن الخلاف الحالي ليس بين لبنان وقبرص، بل حول احتمال فقدان بعض الكيلومترات البحرية، وأشارت إلى أن تأخر الترسيم كان مرتبطا بغياب الظروف المناسبة وانتظار لبنان لإنهاء ترسيم حدوده مع إسرائيل عام 2022، مما قد يشجع دمشق لاحقا على المشاركة في المفاوضات.
كذلك، بينت الخبيرة أن الترسيم الجديد يتيح للبنان الاستفادة من موارده الطبيعية بثقة، بعد توقيع اتفاقيات مع شركات نفط عالمية لتنفيذ أعمال المسح والحفر في البلوك 8، دون مخاطر النزاعات الحدودية، وأضافت أن "الاتفاق ينص على التوصل لاحقا إلى آلية لاستغلال المناطق المشتركة، مما يوفر إطارا قانونيا واضحا للعمل والاستثمار".
وأشارت هايتيان إلى أنّه رغم وجود دراسات تشير إلى إمكانية حصول لبنان على مساحة أكبر، فإن الفريق اللبناني اعتمد الترسيم الحالي باعتباره الخيار الأنسب من الناحية القانونية والتقنية، مقارنة بملفات سابقة مثل الحدود مع إسرائيل، حيث كانت هناك قوة قانونية أكبر للمطالبة بمساحة إضافية.