آخر الأخبار

زمن الأزمات والحروب.. كيف تحمي نفسك من الأمراض النفسية؟

شارك

في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة في العالم العربي ، تبرز قضية الصحة النفسية كأحد التحديات الكبرى التي تواجه الأفراد والمؤسسات معا.

فقد باتت الاضطرابات النفسية وما يرتبط بها من آثار اجتماعية واقتصادية تشكل هاجسا متصاعدا لدى شريحة واسعة من سكان المنطقة العربية، خصوصا في ظل ظروف العمل الضاغطة، وتغير أنماط الحياة، والتأثر بالأحداث السياسية والحروب المتواترة.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 نانسي فقدت توأميها على طريق النزوح وتخشى أن تفقد ابنتها الأخيرة في غزة
* list 2 of 2 8 علامات تحذيرية لمحتوى سام على الإنترنت قد يصيب عقلك end of list

الرفاهية النفسية

تعرّف منظمة الصحة العالمية الصحةَ النفسية بأنها "حالة من الرفاهية التي يتمتع فيها الفرد بقدرة على إدراك إمكاناته، والتكيف مع الضغوط العادية للحياة، والعمل بشكل مثمر، والمساهمة في مجتمعه".

أما في السياق العربي، فتزداد أهمية هذا المفهوم بالنظر إلى التحولات الديمغرافية، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وانتشار أنماط الحياة العصرية التي ترافقها الضغوط النفسية المتزايدة، ناهيك عن النزاعات المسلحة والحروب التي تشهدها بعض البلدان.

وقد أظهرت تقارير إقليمية، مثل تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية لعام 2024، أن واحدا من كل 5 شباب يعاني من أعراض اضطرابات نفسية متفاوتة الشدة، تبدأ غالبا بالقلق وتنتهي بالاكتئاب أو الاحتراق النفسي الوظيفي.

مصدر الصورة دراسة: الموظفون ممن تلقوا دعما نفسيا مؤسسيا استطاعوا تجاوز ضغوط العمل والحفاظ على إنتاجيتهم (شترستوك)

أسباب تفاقم المشكلات النفسية


* عدم كفاية الوعي المجتمعي: لا تزال ثقافة ربط الأمراض النفسية بالوصمة والعزلة سائدة في عدد من المجتمعات العربية، مما يدفع الكثيرين إلى إخفاء معاناتهم وتجنب طلب المساعدة.
* الضغوط الاقتصادية والاجتماعية: تشير دراسة للجامعة الأميركية في بيروت عام 2023 إلى أن ارتفاع معدلات البطالة وتدني الدخل يلعبان دورا رئيسيا في نشوء مشاكل القلق والاكتئاب بين فئة الشباب.
* الاضطرابات السياسية والصراعات: يعيش الملايين من العرب في بيئات تتسم بعدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة، مما يزيد من نسب التعرض لصدمات نفسية مزمنة.
* غياب السياسات الصحية المتكاملة: بحسب منظمة الصحة العالمية، لا تتجاوز ميزانية الصحة النفسية في كثير من الدول العربية 2% من إجمالي الإنفاق الصحي، وهو ما ينعكس على ضعف الخدمات المقدمة. مصدر الصورة العالم يحتفل الجمعة باليوم العالمي للصحة النفسية (الأناضول)

أساليب الوقاية النفسية

ترتكز الوقاية على عوامل عدة، منها:

إعلان

* تعزيز حملات التوعية المجتمعية: تقول أستاذة الطب النفسي بجامعة قطر، الدكتورة سعاد المنصوري، إن "كسر حاجز الصمت حول الصحة النفسية يبدأ بتكثيف الحملات الإعلامية، وإدراج مفهوم الصحة النفسية في المناهج الحكومية، لينشأ جيل ممتلك لأدوات الوقاية والتكيف".
* دعم الأسر وتمكين المؤسسات التربوية: تشير الدراسات إلى أن بيئة الأسرة والمدرسة هي الحاضن الأول للطفل والشاب، ويسهم إهمال الصحة النفسية في هذين المجالين في تراكم الأزمات النفسية لاحقا.
* تطوير برامج الدعم النفسي في أماكن العمل والجامعات: أظهرت دراسة مصرية لعام 2024 أن 65% من الموظفين ممن تلقوا دعما نفسيا مؤسسيا استطاعوا تجاوز ضغوط العمل والحفاظ على إنتاجيتهم، مقارنة بـ38% فقط في بيئات تفتقر لمثل هذا الدعم.
* تعزيز ثقافة الرياضة والأنشطة الجماعية: الرياضة لا تعتبر ترفا، بل أداة وقائية ضد الاكتئاب والقلق. وقد أثبتت أبحاث مركز الصحة النفسية السعودي أن ممارسة الرياضة الجماعية ترفع مؤشرات السعادة وتخفض معدلات المشكلات النفسية بنسبة تصل إلى 30%.

أثر التحولات الرقمية

لا يمكن إغفال أثر الوسائط الرقمية على الصحة النفسية، فقد خلصت دراسة حديثة لجمعية علم النفس الأردنية إلى أن "الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أصبح أحد عوامل ارتفاع معدلات القلق والعزلة الاجتماعية بين المراهقين والشباب".

ومن هنا ترى الدراسة أنه من الضرورة تعزيز الوعي الرقمي، والتوجيه نحو الاستخدام الصحي للتقنيات الحديثة، بما يضمن بناء علاقات فعلية ومستقرة، ويحد من الانزلاق نحو الإدمان أو التنمر الرقمي.

والجدير بالذكر أن مسألة السلامة والصحة النفسية بالعالم العربي اليوم باتت تحديا حضاريا، فهي لا تتصل فقط بالفرد بل تنعكس على قوة المجتمعات وقدرتها على مواجهة الأزمات وتحقيق التنمية. ومن هنا يجب أن تتحول هذه القضية من هامش السياسات الصحية إلى مركز اهتمام الحكومات والمؤسسات، وأن يبدأ التغيير من الأسرة والمدرسة، ويمتد ليشمل كل مؤسسة وجزء من المجتمع.

وبحسب خبير الصحة النفسية الدكتور طارق الكردي فإن "المجتمع المتماسك يبدأ من عقل سليم وروح مطمئنة، والصحة النفسية ليست رفاهية بل حق لكل إنسان".

إن الاستثمار في الوقاية والدعم النفسي، ونشر ثقافة الاستشارة والمشاركة والتضامن، هو الطريق لبناء بيئة عربية سليمة ومعافاة نفسيا، قادرة على الإبداع والعطاء في عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا